ميساء تلك الطفلة الجميلة ذات الملامح الدقيقة، ترتدي زيا رياضيا احمر، وتغطي شعرها بقبعة صوفية حمراء، كانت تتحاور مع مذيعة سألتها ماذا تودين أن تتعلمي؟ أجابت وغمرت وجنتها ابتسامة خجل: أود أن أتعلم الفرنسية، قاطعت حوارهما ولماذا الفرنسية تحديداً؟ أجابت لأن أمي تجيدها، وتبدو لي لغة جميلة.وأكملت أمها الحوار معي قائلة إنها كانت تعمل كوافيرة في سورية، وكانت مشهورة هناك، وتتحدث الفرنسية لحبها لهذه اللغة، كانت الأم حاملا فسألتها: الى متى ستنجبون أطفالا في ظروف صعبة كهذه؟ أجابت ان هذا الحمل تم رغم الموانع.
وعن طفلتها الجميلة قالت انها تعاني الروماتيزم، وهذا أكثر ما يؤلمها أن قسوة الشتاء تزيد من أوجاع هذه الطفلة، كنت ألمحها تكمل حديثها ببراءتها الجميلة، لم أكن أتخيل ان هذه الطفلة انتهكها مرض مزمن عادة يتمكن من الكبار، ولكن تمكن الثلج والبرد من أن يخترق جسدها رغم صغر سنها، بئساً للحروب واللجوء وقسوة البرد!
الحياة في خيمة
تلقفتني حنان وأنا أتجول في مخيم سعدنايل، هل نستحق زيارة لخيمتنا ولا ما نستاهل؟ قذفت جملتها بوجهي وهي تبتسم، فأجبت لي الشرف كنت أنتظر من يدعونني منكم لدخول خيمته فقط.ولأن الخيمة هي مكان النوم والسكن والعبادة، يجب أن تخلع حذاءك قبل أن تدخلها، يبلغ حجم الخيمة ما يقارب غرفة صغيرة في بيتك، وجزء منها يعتبر مطبخا ودورة مياه، استقبلتني داخل الخيمة أم محمد وهي حماة حنان (أم زوجها) وقعت في حبها فوراً، رغم ضيق ذات اليد، والحاجة وكل الظروف الصعبة التي يعانيها اللاجئون، الا انهم دوما وفي كل مخيم يشعرونك بحفاوة الاستقبال في خيمتهم الصغيرة، لي عادة أن أحضن أو أقبل أي امرأة كبيرة في المخيم، لأشعرها أنني شخص مألوف، ولتشعر أنني أقوم بزيارة تفقد حميمية، وليست لقاء صحافيا سيجر احزانهم، ورغم ذلك في كل مرة يفضي الحوار إلى شكوى ودموع، ولا ملامة عليهم.حنان كانت تعيش حياة مريحة في الشام، ولكن تعرضت عائلتها لقصف أودى بحياة الكثير من أهلها، يعاني زوجها إعاقة تمنعه من العمل، ويعيشون الان تحت رحمة التبرعات ليتمكنوا من تسديد الإيجار، غلاء المعيشة في لبنان يعتبر من اكثر الصعوبات التي يعيشها اللاجئ هناك.تحت خط الفقر
أغلب اللاجئين كانوا يعيشون حياة كريمة في سورية، يقعون ضمن الطبقة المتوسطة وما فوقها أحيانا، كانت لديهم مدخرات وأملاك في سورية، وحين قرروا اللجوء أخذوا مدخراتهم متجهين لدول الجوار، دولة لبنان على سبيل المثال تحتضن أكثر من مليون لاجئ سوري، كلهم بعد سنة أو أكثر فقدوا جميع مدخراتهم، فرص العمل شبه معدومة للاجئ، وأصبح %70 من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، سمحت الحكومة اللبنانية لهم بالعمل في مجال الزراعة والبيئة والبناء، إلا أنها لا تكفي لتحتوي مليون لاجئ، هذا الوضع المأساوي ساهم في انخراط الأطفال في سوق العمل تاركين المدارس، وبدأوا يتسولون ويعملون في مهن لا تليق بأعمارهم.كل ذلك فقط لسد الحاجات الأساسية لهم كالمسكن، والطعام، ولربما قليل من الدفء في شتاء بارد يكشّر عن أنيابه بثلوج تصحب معها أمراض الشتاء، وما خلفته من أمراض متفشية لدى الأطفال هناك، كقصور النمو والروماتيزم والسعال وغيره.مساعدات كويتية
ومنذ عام 2013 قدمت الكويت مساهمات بلغت 350 مليون دولار لدعم المفوضية في تلبية الاحتياجات الضرورية للاجئين في انحاء العالم، لاسيما المتضررين جراء الأزمة في سورية والعراق.وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، انه للعام الرابع على التوالي اثبتت الكويت التزامها الثابت بمعالجة العواقب الإنسانية للازمة السورية، مؤكداً امتنانه لصاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد "قائد الإنسانية" على استضافته لمؤتمرات ثلاثة متتالية للجهات الدولية المانحة.سجل ناصع
ومن جهتها، أكدت رئيس مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين د. حنان حمدان، أن "الالتزام الإنساني الكويتي ليس بجديد على الكويت، التي تمتلك سجلا انسانيا ناصعا، هو محل تقدير من المفوضية"، مشيرة الى التبرع الكويتي الأخير للبنان، والذي يبلغ نحو 8 ملايين دولار ساهم في مساعدة 25 ألف عائلة خلال أشهر الشتاء القاسية، وأكدت صعوبة أوضاع اللاجئين في لبنان، اذ تكلف العناية الطبية فقط 3 ملايين دولار شهريا، وهو رقم كبير، ويشكل تحديا كبيرا للمفوضية.ولفتت إلى أن مهمة المفوضية توفير الاحتياجات الضرورية للاجئين من مأوى ومساعدات طبية ونقدية، بالإضافة الى مساعدة الدول المضيفة على تحمل اعباء استقبالهم، حيث يشكل السوريون اكبر عدد من اللاجئين تحت ولاية المفوضية.وشددت حمدان على أن احتياجات اللاجئين في لبنان كبيرة جدا، اذ تحتاج المفوضية لما يقارب من 450 مليون دولار في لبنان فقط.وأوضحت انه تمت تغطية نحو 8 في المئة فقط من هذا المبلغ (450 مليون دولار) وهو رقم "محبط"، مؤكدة حاجة المفوضية للدعم الدولي والتعويل كثيراً على دعم الكويت، لأنها من كبار المانحين منذ بدء الأزمة السورية.تبني الأطفال... مخاطر واستغلال
تواجه المنظمات الإنسانية في الدول التي تستضيف اللاجئين الكثير من التحديات، ويواجه اللاجئون تحديات أكبر، أهمها تعليم الأطفال، حيث تشير التقارير إلى أن %50 منهم لا يذهبون للمدارس، وهناك مخاوف من ان يتم استغلالهم جنسياً، بالإضافة الى فقدان المهارات، مع تزايد مدة اللجوء دون عمل، والخلل النفسي الكبير الذي يعانيه اللاجئون.تساءلت إحدى الزميلات في الرحلة عن إمكانية تبني اللاجئين من قبل دول عظمى تحترم الإنسان، وكانت نقطة مهمة اذ ان هناك الكثير من الأطفال فقدوا أسرهم ويعيشون تحت خط الفقر، ويحتاجون لمن يقدم لهم فرصة جديدة بالحياة.جاء رد المفوضية السامية للاجئين في لبنان أن موضوع التبني شائك، ومخاطره كبيرة، لأن هناك خوفا أن تتم المتاجرة بهؤلاء الأطفال أو استغلالهم، لذا فإن باب التبني ليس ضمن خططهم لخطورته، ولأنه موضوع معقد، ولكن الحل البديل انهم يسمحون لأهالي الأيتام أن يهتموا بهم، لأن العائلة تظل هي سقف الأمان.700 دولار سنوياً إيجار الخيمة في مخيم سعدنايل
لا يوجد في لبنان مخيمات رسمية مثل تلك الموجودة في الأردن كمخيم الزعتري، بل مخيمات عشوائية غير رسمية، اذ يقوم ملاك الأراضي بتأجيرها للاجئين مثل مخيم سعدنايل في البقاع، إذ يبلغ ايجار كل خيمة ما يقارب 700 دولار سنوياً، بالإضافة الى انهم يتحملون تكاليف الكهرباء التي تقارب ما يبلغ 33 دولارا لكل خيمة، مما يشكل عبئا على اللاجئين في لبنان، لاسيما أن فرص العمل محدودة، وقد تكون معدومة أحيانا.يقع مخيم سعدنايل في قضاء زحلة- البقاع في شرق لبنان، وهو يؤوي 42 أسرة لاجئة سورية، بما يقارب 200 شخص، وتم انشاء هذا المخيم منذ نحو السنتين في اعقاب اندلاع النزاع السوري، وأغلب اللاجئين في هذا المخيم من حلب وادلب وحمص.وتتلقى الأسر اللاجئة الأكثر ضعفا دعما نقديا متعدد الأغراض بقيمة 175 دولاراً للعائلة الواحدة من خلال بطاقة صراف آلي من المفوضية وشركائها في الاتحاد النقدي، وبدأ برنامج المفوضية الخاص بفصل الشتاء 2016-2017 جديا في نوفمبر 2016، وتبين ان الدعم النقدي هو النوع المفضل من المساعدة لدى اللاجئين، نظراً لأنه يعطيهم شعوراً بالحرية والكرامة في اختيار ما يودون شراءه.