الموصل... بصيص أمل ومشاهد قاسية
في السادسة والنصف صباحاً، حلّ يوم جديد في الموصل بالعراق. تجمّع أعضاء الموكب التابع للقوات العراقية الخاصة وهدرت محركات مركباتهم. في المقدمة، سارت جرافتان ودبابة ثم مركبة «هامفي» العسكرية العائدة إلى العقيد مهند الذي يقود «الشعبة الذهبية» التي تشارك في جميع المعارك. سارت معها 15 مركبة سوداء أخرى. تقرير مشوق من «باري ماتش» الفرنسية.
كانت المركبات مصفّحة ويرفرف على هوائياتها العلم العراقي. تعلّق الهدف الأساسي في ذلك اليوم بغزو منطقة نابلس في جوار حي اليرموك في جنوب غرب الموصل. لكن كان أعضاء «داعش» بانتظارهم. مع تقدّم رجال «الشعبة الذهبية»، زادت حدة الطلقات النارية. على كل تقاطع، نشأت كثبان من الشاحنات والسيارات الصغيرة وراء مجموعة من الجرافات في المقدمة.لم يكن المرور بالشوارع الكبرى أمراً ممكناً لأنها كانت مزروعة بالعبوات الناسفة. بل كان من الأفضل أن يمرّ الجنود في الأزقة كي لا يعرف تنظيم «داعش» بمكان الموكب. لكن لم يكن ممكناً أن يحددوا الجهات التي تستهدفهم وسط الشمس الحارقة والغبار المتناثر. لذا بدأوا يتسلقون تلة وسط احتدام إطلاق النار. كان الموكب في تلك اللحظات معرّضاً لأقصى درجات الخطر، ومع ذلك أصرّ القائد مهند على احتلال تلك النقطة الاستراتيجية التي توصل إلى الحي المجاور.بعد الوصول إلى قمة التلة في الساعة السابعة والنصف، عَلِق الجنود في مكانهم. احترقت جرافة بعد سقوط صاروخ عليها ثم وقع انفجار آخر واستهدف الجرافة الثانية. من ثم، فهم العدو أنه يستطيع إعاقة تقدم الجنود عبر استهداف الجرافات.
تقدّم بطيء
بدا المقاتلون في «داعش» كثيري الحركة وكانت صواريخهم تنطلق من على يسار الجنود، فقد حفروا ثقوباً في جدران المنازل كي يتنقلوا في متاهات من دون أن يسمحوا للآخرين برؤيتهم. ثم سقط صاروخ أقوى لكن تلقّته هذه المرة مركبة «هامفي» التي تسير في المقدمة، فاحترقت وانبعث منها دخان أسود. هكذا خرجت ثلاث مركبات من القتال. أُعيق تقدم الموكب العسكري بانتظار وصول جرافات جديدة لأن السياج الذي يمنع الوصول إلى الحي كان ضخماً جداً. تضاعفت الطلقات النارية في تلك المرحلة. خرج مهند وأعوانه من المركبة واختار العقيد منزلاً كي يجعله مركزاً للقيادة. بالكاد دفعوا الباب حتى انفجرت قذيفة أمام المدخل، فأصيب أحد الجنود بجرح خفيف. عجز الجميع عن تنشق الهواء واحتاجوا إلى تغطية أفواههم وأنوفهم كي لا يختنقوا.حافظ العقيد على صلابته وتابع مراقبة المشهد من حوله. كان هذا المقاتل المخضرم أصيب أربع مرات في السابق واستحق رتبته بعد مشاركته في حملات متعددة ضد «داعش».بعد نصف ساعة، وصلت الجرافة الجديدة وحطمت السياج. وبعد ساعتين اخترق الجنود الحي المستهدف عبر زقاق ضيّق. بعد لحظات من الصمت والترقب، ظهر أولاد يضحكون ورجال ملتحون على غرار عناصر «داعش». فيما كانت القوات العراقية تتقدم، تجدّد إطلاق النار. كان التقدم بطيئاً وأصاب الجنود خلاله بعض المجاهدين. خلال أقل من ساعة، قُتل خمسة مقاتلين على الأقل في ذلك الشارع. من الواضح أن رجال «داعش» ينفذون تعليمات أبي بكر البغدادي الذي يدعوهم إلى القتال حتى الموت!مشاهد قاسية
تلاحقت المشاهد القاسية في تلك المنطقة. روى أب شاب ان ابنه يعاني مشاكل في النمو بسبب سوء التغذية وراح طفل جائع يلتهم أوعية المربى وقطع البسكويت التي قدّمها له سائق المركبة. ثم أخبرت إحدى العائلات الجنود بأن تنظيم «داعش» زرع متفجرة في الجهة الأخرى من الشارع. تحقق جنديان من المكان لكنهما لم يجدا أي جسم مشبوه. استولى الجيش على الحي بالكامل وساد جو غريب من الهدوء بعد سلسلة معارك مريعة. قبل مغادرة الحي، أعطى العقيد مهند أوامره بإقفال الشارع الذي توقفوا فيه منعاً لأي مفاجآت سيئة.في الساعة الواحدة ظهراً، خرج الموكب من حيث دخل. تراجعت حدة إطلاق النار في تلك اللحظات. استغل السكان الفرصة كي يخرجوا لأن معظمهم يشعر بالرعب ويرفض البقاء في المنازل. بدا البعض مقتنعاً بعودة «داعش». سينضم عدد كبير من الناس، معظمهم من العائلات والنساء والأولاد المصابين، إلى مخيمات اللاجئين الضخمة على طرف الموصل ولن يعودوا قبل أن ينهي الجيش حملة التطهير بالكامل.كانت طريق عودة أعضاء «الشعبة الذهبية» إلى القرية السابقة طويلة. هناك لن يكون استعمال مركبات هامفي أو الدبابات أو الجرافات ممكناً بل يجب طرد آخر مقاتلي «داعش» في الموصل سيراً على الأقدام!
مقاتلو «داعش» حفروا ثقوباً في جدران المنازل كي يتنقلوا من دون أن يسمحوا للآخرين برؤيتهم