يتساءل السيد حسن الخميني عن احتمال وجود طرائق متعددة لأداء وظيفة المرشد الأعلى. هل يمكن اعتبار هذا الشخص المصدر الوحيد للقوانين والسلطات كافة أم حَكَماً يتأثر بإرادة الشعب؟ تغيّر هذا الشعب منذ 40 سنة. حين يغادر السيد حسن الخميني مقره لزيارة ضريح جدّه، يسهل عليه أن يلاحظ ذلك التغيير. يضطر حينها إلى العبور في طهران التي تعجّ بأبراج وأبنية قيد التطوير، وازداد عددها السكاني اليوم بثلاثة أضعاف منذ عهد الثورة وبلغ 15 مليون نسمة.تتغطى الجدران بصور عملاقة للإمام الخميني وخلفه آية الله خامنئي، المرشد الذي لا تواجه سلطته أية معارضة أو خلاف بل تجاهر بشهدائها وتسمّي الشوارع والساحات ومحطات المترو بأسمائهم. لا يزال مفهوم الشهداء الذي يعود إلى السنوات الدموية أحد أبرز أسلحة النظام ويُعتبر رفضه علناً خيانة حقيقية، لذا تعجّ السجون بالمعارضين. اليوم لا يتوقف الشبان تحت عمر الخامسة والعشرين (40% من السكان) أمام تلك الصور القديمة، وسئمت الفتيات من الحجاب الإلزامي أو الشادور التقليدي الذي يغلّف الجسم كله وبدأن يكتفين بوشاح لا يغطي كامل شعرهن المغري.
عصر التجاوزات
إنه عصر التجاوزات! أصبحت موضة الراب وصور السلفي رائجة على نطاق واسع اليوم وتتجول الدراجات النارية في مساء أيام الخميس في ساحة الثورة وتعجّ المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة بالناس. الأسوأ من ذلك أن الملالي أصبحوا أضحوكة في نظر الناس، ولم يعد أحد يصدّقهم.يدرك السيد حسن الخميني، أب لأربعة أولاد، حقيقة الوضع القائم. يملك ابنه البكر أحمد (20 عاماً) 338 ألف متابع على إنستغرام ويحب اللاعبَين ميسي ورونالدو ويرتدي ملابس رياضية طوال الوقت ويُعتبر مقرّباً من قادة المعسكر الإصلاحي.يؤيد شقيقا الخميني ياسر وعلي الديمقراطية والحريات، وتعارض نسيبتاه زهرة ونعيمة إشراقي ارتداء الحجاب الإلزامي، وقد وُضِع نسيبه حسين تحت الإقامة الجبرية منذ عشر سنوات لأنه دعا علناً إلى القضاء على الدكتاتورية وقابل رضا الثاني، وريث البهلوي، في الولايات المتحدة.أما نسيبه الآخر علي إشراقي، فنشر نصاً بعنوان «خامنئي ضد الخميني». لا تخفي جماعة الخميني أنه المرشح الشرعي كي يخلف آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الذي يعاني تدهور صحته. يستطيع الخميني بحسب مناصريه أن يقود حركة ترسيخ الديمقراطية التي يتوق إليها معظم الإيرانيين. لهذا السبب، لا يخفي آلاف الملالي مشاعرهم اليوم. لطالما وضعوا السيد حسن الخميني تحت المجهر وعبّروا عن عدائهم له، تماماً كحرّاس الثورة الذين يسيطرون على السلطات العسكرية والاقتصادية وأوساط الشرطة في إيران. لا أحد في هذا البلد يعلو فوق «جريمة» الإصلاح.أصبح الخميني اليوم أكبر «صامت» في الجمهورية لكن لا يجرؤ أحد على التعرض له مباشرةً. لم يعد الوريث المحتمل يلقي الخطابات لكنه يعبّر عن أفكاره بمواقفه وتحركاته الضمنية. هل يطبّق سياسة إخفاء قناعاته الحقيقية عند تعرّضه لأقصى درجات الخطر؟ كان جده تبنى هذه المقاربة طوال سنوات للتهرب من الشرطة السياسية في عهد الشاه. لكن لم تعد هذه التوجهات خفيّة على أحد فقد تعلّم الإيرانيون درسهم ويريدون أن يصدقوا أنّ التغيير ممكن. جاء السيد حسن الخميني ليجدد آمالهم لكن لا مفر من أن يتساءلوا دوماً: هل يمكن الوثوق بأحد آيات الله؟