من قتل الشعر؟
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
كان الشعر ومازال في المراحل التعليمية أكثر حظاً من الرواية والمسرح. معظم التطبيقات النحوية والبلاغية كان يتم تطبيقها على الشعر، والنص الشعري هو النص الوحيد بعد النصوص الدينية التي يطلب النظام التعليمي من الطلاب حفظها وشرح أساليب الجمال فيها. والحال نفسه في مقررات النصوص الأدبية في كليات الآداب. تلك الاحتفاءات ليست في الكليات العربية، التي تدرس الأدب العربي، ولكن أيضاً في قسم الآداب الغربية، فالنصوص الشعرية هي الأكثر حظاً في التدريس، وإن كانت النصوص القديمة وليست المعاصرة. ولكن هذا الاحتفاء يبقى احتفاء محدوداً في أروقة الفصول الدراسية، أما الوضع الثقافي العام فيكاد يخرج الشعر من الحياة الثقافية.أغلبية الصحف الأميركية اليوم مثل «نيويوركر»، و«لوس أنجلس تايم»، التي أعلنت أنها لن تقوم بعرض دواوين الشعر على صفحاتها، لم تعد تنشر الشعر كجنس أدبي مقروء، ويحظى بجماهيرية واسعة، فلم يعد الشعر يجد مستمعا جيدا، ولا شاعرا جيدا، وكما يقول والت ويتمان: «وجود شعراء جيدين مرهون بوجود متلقين جيدين». الشعراء العرب، رغم استثناءات بسيطة، لا تجد أعمالهم رواجاً، وهو الحال ذاته في أميركا، فأغلب شعراء أميركا الشمالية اليوم لا يبيعون أكثر من بضعة آلاف خلال أربع أو خمس سنوات. وربما ذلك ما جعل بعض الشعراء العرب يهجرون الشعر لصالح الرواية كأنهم يعلنون ويشاركون في مقتل الشعر.لا أحد يرحب بخروج الشعر كجنس أدبي رفيع من المشهد الثقافي، ولكن نعود إلى ما ذكرناه في البداية بأن اللوم يقع على الشعراء. لقد ساهموا في أن يدخل عالم الشعر الكثير من الدخلاء الذين رأوا في الكتابة النثرية الجديدة وسيلة سهلة لارتكاب ما يمكن أن نسميه مجازر شعرية قتلت الشعر، وفارقت بينه وبين قرائه ومستمعيه. أصبح من الصعب على الناقد أن يجد عوالم شعرية في الكتابات الجديدة، ومن الصعب على القارئ أن يجد المتعة التي كان الشعر يحققها له.