د. ربيع الأتات: شعري صرخات تعكس مشهديات عايشتها
الشاعر اللبناني يشارك في إعداد الجزء الثاني من كتاب الـ «هايكو» العربي
الدكتور ربيع الأتات طبيب جراح وشاعر ولج عالم الكلمة ليس هروباً من قساوة مهنة الجراحة، بل محاولة للغوص أكثر في الوجود وفي الثنائيات التي تتحكّم به، كالحياة والموت، الخير والشرّ، الجمال والقبح، الجنة والجحيم.
وحول رؤيته للشعر اليوم وسبب اعتماده نمط الـ «هايكو» الياباني في الكتابة، كان الحوار التالي معه.
وحول رؤيته للشعر اليوم وسبب اعتماده نمط الـ «هايكو» الياباني في الكتابة، كان الحوار التالي معه.
منذ متى بدأت علاقتك بالشعر؟ لن أقول ككثيرين إن الكتابة بدأت عندي في سن مبكرة، حتى لو قال لي أحدهم خلال دراستي الثانوية إنني سأصبح يوماً ما كاتباً لما صدقته. كنت قارئاً جيداً، أما الكتابة فبدأت ببطء في سن متأخرة بعدما أنهيت تخصصي في الجراحة، يومها تساءلت إذا لم أكن طبيباً، ماذا وددت أن أكون؟ لم أتصور نفسي إلا مع قلم في يدي أُدون ما عايشته.
ومتى تكتب؟أبدأ دائماً بالكتابة في فترات القلق، أدوّن الأفكار، مثلما ترد عليّ، من دون أن أرجع إلى المعجم، أو أصحّح. أكتب مقاطع قصيرة تصير في ما بعد في وسط الكتاب أو في أوله أو في آخره. أثناء الكتابة لا أكون على بيّنة من الأمر. لا تتضح الصورة إلا حين أبدأ في الاختيار بين الصيغ المختلفة، وفي تحديد الترتيب المفترض ما بين المقاطع التي تم الاحتفاظ بها؛ عندها تتشكّل لديّ فكرة واضحة عن الكتاب، وأحذف الكثير.طقوس القراءة عندي أهم من طقوس الكتابة، يحاول الكاتب، من خلال عمله، تقديم فلسفته ومجمل نظرته في الحياة؛ سواءً قال ذلك علَناً ومباشرة كما في حالة الفيلسوف، أو ضمناً ومواربةً، كما في حالة الشاعر.
مواجهة وتراكم
كونك طبيباً هل تعتبر الشعر هروباً من واقع مؤلم يفرضه عليك التعامل مع مرضى؟تخلو كتاباتي من مفردات طبية. ينتهي دوري كطبيب مع انتهاء دوامي في العمل. أما الشعر فهو حركتي في هذا الوجود، وبالتالي هو دوامي الكامل .لا أهرب من واقع ما، أنا كاتب مواجهة مع نفسي بالدرجة الأولى ومع الوجود بالدرجة الثانية .ربما الطب أثرى فهمي للنفس البشرية وهشاشتها وهواجسها .لماذا اعتمدت طريقة الـ «هايكو» في الكتابة الشعرية؟الإنسان ضحية أفكاره، كل ما أكتبه هو صرخات مبطنة في هذا الوجود يعكس مشهديات عايشتها. في يومياتي أُحبذ الكثافة والاختصار ولا طاقة لي للاستماع أو لكتابة المطولات، بل أميل إلى التأمل والواقعية، هذه في مجملها أعمدة كتابة الـ «هايكو» .أين موقع قصيدة الـ «هايكو» في الشعر العربي؟الـ «هايكو» قصيدة من ثلاثة أسطر مستقلة بذاتها تقوم على لغة مكثفة في الإيحاء وموجزة تنفتح على التأويل، المشهدية فيها تربط- تلميحاً- صورة فصلية بإحساس تأملي. في العالم العربي، البعض يعتبر الـ«هايكو» أحد أشكال قصيدة النثر كونه غير ملتزم بالقواعد اليابانية من ناحية التقطيع الصوتي. بالتعاون مع د. سامر زكريا، مؤسس مجموعة هايكو سورية وهي الأكبر على مواقع التواصل الاجتماعي مع أكثر من سبعة آلاف عضو، قمنا بإعداد وإصدار العدد الأول من سلسلة كتاب الـ «هايكو» العربي (دار المؤلف) بمشاركة أكثر من 50 «هايكيست»، هذه التجربة تلقى صدى إيجابياً. «مفاتيح بلاستيكية للجنّة» عنوان ديوانك الصادر حديثاً، إلامَ يرمز العنوان؟كل صيغة مطروحة للخلاص تصادر حرية الإنسان في التفكير هي مفتاح مزيف، يكثر استعمال هذا النوع من المفاتيح في الدين والسياسة، لا سيما في الأزمات كما هو حاصل الآن .أيهما الغالب على الآخر في قصائدك الحسي أو المتخيل؟أرى أن ثمة توازناً بين الفلسفة الغربية التي ترتكز على مجموعة نظريات أدت إلى بنيان رائع لم ينعكس حكماً على اليومي والفلسفة الشرقية التي نشأت في الهند والصين وبلاد ما بين النهرين التصقت بالبعد التأملي واليومي، بحكم هويتي المركبة بين إقامتي في الغرب والشرق كنت مزيجاً لرؤية هاتين المدرستين .يحضر الموت بقوة في القصائد، فأين هو موقع الحياة؟نحن محاطون بالرحيل، وفكرة الموت حاضرة بقوة في يومياتنا في مختلف الوسائل المعرفية، مع ذلك يعتبر الحديث عنها من التابوهات أو يُصادر من المدرسة الدينية أو الفلسفية، فلماذا لا يحضر بقوة في الشعر؟ إعجابي ببودلير الذي قال عنه هوغو إنه أحدث رعشة جديدة في الشعر، هو بمكان ما ناتج عن مقاربة الأنماط المصنفة على أنها شريرة في سياق جمالي وهو في رأيي قمة الإبداع.إذا كان يُعرف الشيء بضده فلربما الحديث عن الموت هو مقاربة للحياة، نستطيع الخروج من هذا الموكب الجنائزي ونكف عن التصرف كدمى تتقاذفها خيوط القدر ونؤمن بحريتنا .بين إصدارك الأول «جنازات الدمى» 2015 (دار النهضة العربية) وإصدارك الأخير كيف تطورت تجربتك الشعرية؟أرى أن الشاعر يكتب ديواناً واحداً في حياته وكل ما يأتي بعد ذلك مجرد اشتقاقات أو تتمة له. من الممكن أن يتطور الشاعر في أمور بحت تقنية في صنعة الشعر، لكن من الصعب تراكم خبرة أو تجارب إضافية، ينتهي الشغف، الحلم عند الرجل في سن مبكرة ثم ينصرف لتحقيقهما من خلال رؤية ونضج معينين، ربما كتابي الثاني الصادر أيضاً عن دار «النهضة العربية» هو تتمة للمشروع الذي بدأته في «جنازات الدمى».هل الحياة بالنسبة إليك مظالم وخيبات؟ أنا بطبيعتي تشكيكي النزعة ولست تشاؤمياً، أطرح أسئلة من خلال مشاهداتي اليومية. المظالم والخيبات أمور نسبية تتوقف على شخصية الفرد وتجاربه وقدرته على التحمل، الإنسان هو النجمة المضيئة في هذا العالم المظلم. الـ «هايكو العربي»
عن جديده الذي يعمل عليه راهناً، قال الأتات: «أكتب نصوصاً متفرقة لي من دون التفكير بالقارئ أو بهدف معين، الكتابة هي نوع من الحوار مع الوجود، الكتاب يُمثل حالة عرضية فلا أتخذ قراراً مسبقاً بتأليف أو إصدار كتاب . حالياً، أشارك مع د. سامر زكريا في الإعداد للجزء الثاني من كتاب الـ «هايكو» العربي».وحول تقييمه للحركة الشعرية في ظل ازدياد الإصدارات في هذا المجال وهل من قراء للشعر اليوم يقول د. ربيع الأتات: «يرى الإنسان العربي في الشعر خيطاً تراثياً يـقاربه مقاربة نحوية، احتفالية وربما أسطورية».يضيف: «في كل زمن كان ثمة تنبؤ بموت الشعر لتحل مكانه بدائل كالعلم، كما جرى في القرن الثامن عشر أو كالرواية حالياً. في الحالة الأولى شهد القرن التاسع عشر ازدهاراً شعرياً غير مسبوق، أما حالياً فصحيح أن الإصدارات في ازدياد والنوعية متفاوتة إلا أنها ألقت الضوء على عدد من المواهب. قراء الشعر موجودون بالفطرة إذا قُدم لهم ما يليق بتطلعاتهم».
أُحبذ الكثافة والاختصار والتأمل والواقعية وهي أعمدة قصيدة الـ«هايكو»