الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية في بولندا
على القادة الأوروبيين أن يعلنوا بوضوح أن النسخة الشعبوية الحالية من الحكومة البولندية لا تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، فهل يكون الشعب البولندي على استعداد للوقوف موقف المتفرج فيراقب بلاده وقد أصبحت أكثر فقرا وأشد عزلة؟
منذ تولى حزب القانون والعدالة الشعبوي السلطة في بولندا عام 2015 شن هجوما شاملا على المؤسسات الديمقراطية الليبرالية في البلاد، فكانت حكومة حزب القانون والعدالة حريصة على تقويض المحكمة الدستورية البولندية، كما هاجمت بلا هوادة استقلال السلطة القضائية، في حين اتخذت خطوات لتكميم الصحافة.وقد أطلق الاتحاد الأوروبي إجراء سيادة القانون ضد الحكومة البولندية، ضمن إطار يهدف إلى تجنب فرض العقوبات. ولكن حتى الآن فشلت كل محاولات احتواء وعكس مسار السياسات المتزايدة الاستبدادية، ومع رهان المسؤولين الحكوميين في وارسو بوضوح على افتقار الاتحاد الأوروبي إلى الإرادة السياسية اللازمة لفرض عقوبات حقيقية، نشأ عن ذلك مأزق مُربِك.وازدادت العلاقة بين الحكومة البولندية والاتحاد الأوروبي تدهورا في اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل في وقت سابق من هذا الشهر، وعلى خلفية الانتخابات الوطنية المحورية في أوروبا هذا العام، والعلاقة المحاطة بالشكوك مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة، والذكرى الستين لإبرام معاهدة روما، كان الموفدون إلى القمة يخططون لمناقشة مستقبل الاتحاد الأوروبي.
لكن الطلب الذي تقدمت به الحكومة البولندية في اللحظة الأخيرة بناءً على طلب من رئيس حزب القانون والعدالة ياروسلاف كاتشينسكي، باختيار شخص آخر في محل دونالد توسك رئيسا للمجلس الأوروبي، تسبب في إرباك المحادثات.وقد عارض أغلب المواطنين البولنديين هذه الخطوة، وفقا لاستطلاع آراء حديث، ولكن كاتشينسكي يسعى منذ فترة طويلة للانتقام من توسك سياسيا، لأنه يعتنق شبه مؤامرة مفادها أن توسك مسؤول عن وفاة شقيقه التوءم، الرئيس البولندي السابق ليش كاتشينسكي، الذي قُتِل في حادث سقوط طائرة في عام 2010 بالقرب من سمولينسك في روسيا.ولحسن الحظ، فشل انقلاب كاتشينسكي السياسي، وكان نصيب الحكومة البولندية الخزي والمهانة، وأعيد انتخاب توسك لولاية أخرى، بدعم من سبع وعشرين من حكومات الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين.ولكن من المرجح رغم ذلك أن تستمر الحكومة البولندية الحالية على مسارها غير الليبرالي، في غياب استجابة حاسمة وموحدة من الاتحاد الأوروبي، ومن المؤكد أن حزب القانون والعدالة يدفع البلاد إلى أزمة دستورية متزايدة العمق، ويزيد من ضعف مؤسساتها الديمقراطية، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد منظمات المجتمع المدني وتسييس نظام العدالة في ملاحقته لتوسك. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتخلى عن الأمل في أن يحل الموقف نفسه بنفسه وأن يبدأ في الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية في بولندا قبل فوات الأوان، ولتحقيق هذه الغاية ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتبع نهجا ذا شقين.أولا، ينبغي لصناع السياسات في الاتحاد الأوروبي أن يجعلوا كل مدفوعات الأموال البنيوية مشروطة بامتثال الدول المتلقية بسيادة القانون، وفقا لأرقام المفوضية الأوروبية الرسمية، جرى تخصيص 86 مليار يورو (93 مليار دولار أميركي) لبولندا، من خلال 24 برنامجا وطنيا وإقليميا للفترة بين 2014 و2020، وتعادل هذه الأموال- التي خصصت للاستثمار في البنية الأساسية، وحماية البيئة، وتحسين القدرة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم- ما يزيد على ربع موارد الاتحاد الأوروبي المخصصة لمثل هذه الأغراض. ومن الآن فصاعدا ينبغي حجب مثل هذه الأموال عن الدول الأعضاء التي لا تدعم سيادة القانون.ثانيا، ينبغي للمفوضية الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي أن تتخذ التدابير اللازمة لإبطال حقوق التصويت التي تتمتع بها الحكومة البولندية إلى أن تتخلى عن سياساتها غير الليبرالية، وعلى نطاق أوسع يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعكف على وضع إطار أكثر فعالية لحماية الليبرالية الديمقراطية وتعزيز الالتزام بالقيم الأوروبية داخل الاتحاد الأوروبي. وكما يُظهِر عجز الاتحاد الأوروبي عن فرض العقوبات على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعد انتهاكاته للقيم الأوروبية، فإن الآليات القانونية القائمة لفرض سيادة القانون داخل أوروبا تفتقر إلى الأنياب الكافية. من المنافي للعقل أن يكون لدى الاتحاد الأوروبي الآن أدوات لفرض كل شيء من سياسة المنافسة إلى حفظ الأمن والنظام، ولكن ليس لحماية مبادئه الديمقراطية الليبرالية الأساسية، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ التدابير اللازمة الآن، ليس لمعاقبة شعب بولندا الفخور، بل لحماية أحد مبادئه التأسيسية، وسيادة القانون نتاج للتاريخ الدستوري لكل دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، وينبغي لها أن تُعطى مكانها الصحيح في أساس القيم التي يستند إليها الاتحاد الأوروبي ذاته.ويجب على القادة الأوروبيين أن يعلنوا بوضوح أن النسخة الشعبوية الحالية من الحكومة البولندية لا تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، فهل يكون الشعب البولندي على استعداد للوقوف موقف المتفرج فيراقب بلاده وقد أصبحت أكثر فقرا وأشد عزلة، في حين يلاحق كاتشينسكي أوهامه ويتجاهل المثل الليبرالية الديمقراطية المنصوص عليها في دستور بلادهم؟في نهاية المطاف لن يتسنى إلا للشعب البولندي أن يقرر مصيره بلاده، ومن جانبي أنا على يقين من نزولهم إلى الشوارع قريبا لرفض انجراف حكومتهم نحو السلطوية، وضمان مستقبل أكثر إشراقا لبولندا في قلب أوروبا، وعندما يفعلون هذا ينبغي لهم أن يعرفوا أن الاتحاد الأوربي يدعمهم بكل قوة.* جاي فيرهوفشتات* رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا (ALDE) في البرلمان الأوروبي.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
من المؤكد أن حزب القانون والعدالة البولندي يدفع البلاد إلى أزمة دستورية متزايدة العمق