شادي الخليج صوت الكويت المخضب بروحها
عام 1958، كان عمر عبدالعزيز المفرج يبلغ تسعة عشرة عاماً، يوم أن زار "مركز الفنون الشعبية" التابع لدائرة الشؤون الاجتماعية. شاءت الأقدار أن يلتقي هناك الأستاذ حمد عيسى الرجيب، الذي أُعجب بصوت الشاب الخجول، وراح يقنعه باحتراف الغناء. لكن، سطوة المجتمع أخافت الشاب من دخول هذا المجال، فما كان من الرجيب إلا أن وجد حلاً لتلك المعضلة بأن اختار اسماً فنياً لذلك الشاب وأطلق عليه؛ شادي الخليج. التجربة الأولى لذلك الشاب كانت بتعاونه مع الشاعر أحمد العدواني والملحن أحمد باقر، حيث شدا بأغنية "لي خليل حسين"، والتي غدت واحدة من الأغنيات الكويتية التي تشكّل ذاكرة دالة لطبيعة ومزاج الموسيقى والغناء للمجتمع الكويتي في تلك الفترة. شادي الخليج الشاب الذي يحمل بملامحه سمرة أهل الكويت، ولكنة كلماتهم المميزة، من يومها صار صوت غنائهم الأحب، وصارت أغنياته طرباً يمسّ أرواحهم فيحرك فرحها الغافي. مسيرة ذلك الصوت الدافئ كانت حافلة بالإبداع، فهي تركن إلى روح مرهفة تشربت بتراث بلدها، في حقبة انتقاله الأهم من مجتمع بسيط يعيش على البحر وتجارة القوافل العابرة، ويحوطه سور يغلق أبوابه مع غروب الشمس، إلى مجتمع ناهض يتطلع إلى الحديث والحداثة مع اكتشاف وتصدير البترول، وتبلور الديمقراطية في بداية الستينيات في عهد المغفور له، بإذن الله، سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح.
سافر شادي الخليج إلى القاهرة عام 1965، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الموسيقى من المعهد العالي للتربية الموسيقية. وهنا لابدَّ من الإشارة إلى أن سفر عبدالعزيز المفرج إلى القاهرة أتاح له فرصاً كبيرة للتزود بالعلم من جهة، ومن جهة أخرى قدم له فرصاً ذهبية للتعرف إلى مختلف التيارات والشخصيات الموسيقية الفاعلة في القاهرة وقتذاك، يوم كانت قاهرة العرب تموج بتيارات الفكر والأدب والفن والحياة. عَمِل المفرج موجهاً فنياً عاماً للتربية الموسيقية بدرجة وكيل وزارة مساعد في وزارة التربية. لكن، ولأن المناصب زائلة، فإن أحداً ما لا ينظر للرجل إلا كونه شادي الخليج، وكون فنه على امتداد ما يزيد على النصف قرن، لوّن ذاكرة أهل الكويت بجميع ألون التراث والغناء والموسيقى والفرح، وجسّد بشكل فني لافت ما يمكن أن يكون عليه شكل احتفالهم بالمناسبات الأهم سواء في سرورهم أو أوجاعهم. إن مسيرة فنان مبدع لا يمكن لها أن تتم دون تعاون ومشاركة فاعلة من زملاء يعملون في حقله الفني أو على تماس معه، لذا فإن شادي الخليج، وطوال مسيرته تعامل مع شعراء وملحنين مبدعين. لكن، تعاونه مع الشاعر عبدالله العتيبي والملحن غنام الديكان شكّل مرحلة بارزة في مسيرته. حيث إن الثلاثي المتمثل في الشاعر والملحن والمغني، وبرفقة كورس وزارة التربية، استطاع بموهبة وحرفية عاليتين جداً أن يستخرج من تاريخ المجتمع الكويتي أهم ملامحه، بدءاً من الألعاب والغناء واللحن الشعبي مروراً بالمناسبات الوطنية وانتهاءً بالمنعطفات السياسية الأهم التي مرّت بها دولة الكويت.أغنية "حالي حال"، وأغنية "سدرة العشاق"، وأعمال موسيقية تراثية: كصدى التاريخ، ومواكب الوفاء، وحديث السور، وقوافل الأيام، وأنا الآتي، وقلادة الصابرين، والزمان العربي، وأوبريت عاشق الدار، وأوبريت مذكرات بحّار. كل هذه الدرر الموسيقية التراثية الباقية، تقول إن الفنان هبة من الله لوطنه، وبقدر ما يبدو شخصاً فرداً في حياته ومسلكه، فإنه يكون صوتاً باقياً لشعبه وأمته.الفنان شادي الخليج، تعرض خلال الفترة الماضية لعارض صحي، اضطره للسفر والعلاج خارج الكويت، وكم تجلت مكانته رسمياً وشعبياً في حفل استقباله سواء في المطار أو في ديوانه العامر. أخي وصديقي "أبو علي" حمداً لله على سلامتك، وكم نعتز ونفتخر بك!