«يا عمري» لهادي زكاك... حكايات جدة ترصد تغيرات المجتمع اللبناني
يتابع المخرج اللبناني هادي زكاك عرض فيلمه الجديد «يا عمري» في المهرجانات السينمائية. بعد «دبي السينمائي» في دورته الثالثة عشرة، و«شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية» (5-11 مارس 2017)، شارك «يا عمري» أخيراً في الدورة التاسعة لـ «مهرجان الأفلام العربية: أيام بيروت السينمائية» تحت عنوان «السينما والهجرة».
«يا عمري» فيلم وثائقي (83 دقيقة)، سيناريو وإنتاج هادي زكاك وإخراجه، وتصوير موريال أبو الروس، ومونتاج هادي زكاك وإلياس شاهين. تدور القصة حول حياة امرأة مسنة، هي جدة زكاك، تتحدث فيها عن مسيرة حياتها وهجرتها إلى البرازيل وذكرياتها مع أولادها، كذلك يتطرق الفيلم إلى قضايا الشيخوخة وداء الزهايمر والهجرة والروابط العائلية.صوّر هادي زكاك الفيلم على مراحل، لذا تطلب إنجازه فترة طويلة، لا سيما أن جدته بدأت تفقد ذاكرتها في السنوات الأخيرة قبل وفاتها، فهي عاشت لغاية عمر مئة وأربع سنوات، ومن الطبيعي أن تجد صعوبة في تذكر سنوات عمرها المبكرة. مع ذلك استطاع هادي زكاك أن يعود بها في الزمن إلى مراحل طفولتها وشبابها ويصور في الفيلم حياة امرأة حافلة بالأحداث التي ترسم في بعض محطاتها صورة عن المجتمع اللبناني في أوائل القرن العشرين. على غرار لبنانيين كثر، هاجرت هنريات، جدة هادي زكاك، إلى البرازيل في أواخر القرن التاسع عشر وعادت في ثلاثينيات القرن الماضي، وتزوّجت بعد قصّة حب عاصفة... لكنها ندمت على عودتها، كما أسرّت إلى حفيدها.واكبها حفيدها في مراحلها الأخيرة وكان يخبرها قصصاً أخبرته عنها ثم نسيتها. تابعها يومياً وهي تفقد ذاكرتها، صوّرها وحاورها وعندما توفيت منذ سنوات ثلاث، بدأ العمل على فيلمه الوثائقي الذي يرصد تحوّل الذاكرة والهجرة من لبنان إلى البرازيل وقصص الحب والأولاد والوقت المعلّق، مضمّناً إياه نظرة الى أحداث لبنان خلال أكثر من مئة عام.
تحية وعرفان
حول تحديده للفيلم الوثائقي يعتبر هادي زكاك أنه «أكبر عرفان للشخصيات التي نحبها وكانت يوماً تعيش بيننا»، مشيراً إلى أن إنجاز «يا عمري» استغرق ثلاث سنوات، مع أن المواد المصورة كانت جاهزة، ذلك لارتباطه العاطفي بجدّته، وصعوبة صنع فيلم عن شخص قريب ربطته به علاقة خاصة رحل، «ففي الإنتاج والمونتاج نحيي الشخصية ونميتها مئة مرة، وهذا الشعور من الصعب وصفه».نجح المخرج هادي زكاك في نقل المشاهد إلى عالم جدته الخاص، من خلال حكايات روتها له عن حياتها في البرازيل وعودتها إلى لبنان، ومراحل حياتها فيه قبل أن يجتاح عقلها الزهايمر وتقضي الشيخوخة على ملامح امرأة كانت في ما مضي جميلة الجميلات. ظهرت الجدة في الفيلم، شخصية محببة وقريبة من الناس، ولفتت النظر بطريقة روايتها الأخبار والحكايات وبعفويتها، إلى درجة أن كل من يشاهد العمل لا بد من أن يعشقها ويكرر جملتها الشهيرة لحفيدها «يا عمري». صحيح أن الإطار الذي صوّر فيه الفيلم واحد، أي المنزل الذي كانت تسكن فيه الجدة، إلا أن الحكايات الحافلة بالأحداث تجعل المشاهد يركز على شخصية الجدة بالذات من دون الالتفات إلى عناصر أخرى في الفيلم، وهنا تكمن أهمية عمل هادي زكاك الذي نجح في إعطاء صورة واضحة عن عادات المجتمع اللبناني وتقاليده من خلال نظرة جدته إلى قضايا عدة اجتماعية وكيفية روايتها، وهذا الأمر بالذات لفت المخرج وجعله يخرج بفكرة تصوير الفيلم حيث برزت الجدة شاهدة على قرن بأكمله بمتغيراته وتناقضاته وتطوّره.هادي زكاك
مخرج سينمائي لبناني حائز جوائز عدّة، وأستاذ في معهد السينما- جامعة القدّيس يوسف- بيروت. أخرج مجموعة من الأفلام الوثائقية، من أبرزها: «كمال جنبلاط، الشاهد والشهادة» (2015)، «مارسيدس» (2011)، «درس في التاريخ» (2009)، و«لاجئون مدى الحياة» (2006). «يا عمري» هو الفيلم الوثائقي السادس والعشرون لهادي زكاك.