الأغلبية الصامتة: نقص فيتامين «القدوة»
تطلق الكلمة الضارة ممن يفترض فيهم المسؤولية دون وعي أو اكتراث بأضرارها الممتدة في أعماق المجتمع، بعضهم يعتقد أنه يناصر الحق فيقول كل شيء، والبعض الآخر يفعلها وهو يعلم بالآثام التي يقترفها لأن المهم لديه هو الكسب السريع أو الانتقام.ملخص كل ما سبق هو "المسؤولية الاجتماعية" التي يجب أن يضعها السياسي ورئيس التحرير وخطيب المسجد وأي شخص مؤثر في حياة الناس، هي ليست قيدا مثل القيود التي تكبل الحركة لكنها مسؤولية رفيعة تعكس النية الصافية للإصلاح مهما كانت الساحة مهيأة لقبول ما يصدر عنهم، ولحوحة في استخراج الكلمات الخشنة التي "تبرد" على قلوبهم في لحظات الغضب العابرة. في الأمس القريب تجددت جراح المجتمع من جراء صراع بائس رديء "الصنعة"، رموزه يعانون شحوب المصداقية، وحراسه كومبارس جهدوا في طلب أدوار البطولة ففشلوا في كل مرة، حتى في زمن أفلام المقاولات، فجأة فتح ملف صراع الجنسية وفجأة أغلق، وما بين الفجأتين تطاحنت مكونات المجتمع بين عنصري متحفز، وغافل أقحم برسالة "واتساب"، ومذعور استدعي للدفاع عن الوطن!!
لقد تلاعب من تلاعب بموضوع تعديل قانون الجنسية، والأصل أن التعديلات في أوقات الانقسام المجتمعي لا تأخذ إلا بأكثر النقاط التي تحوز الإجماع الأكبر داخل البرلمان وخارجه، أما النقاط الخلافية فتترك لحين آخر. إنني هنا لا أدعو إلى حالة مثالية للممارسة السياسية لن تتحقق إلا في المختبرات، بل على العكس أنا أطالب بوجود الصراع الذي يكشف مواطن الخلل وينبه أصحاب القرار للجوانب المنسية، وأزيد: هنالك قضايا تستحق الصراع مثل تمكين القضاء من النظر في القضايا المتعلقة بالجنسية حتى لو أدى ذلك إلى حل مجلس الأمة. ما الذي حصل خلال الأيام الماضية؟ وأين القضية الأصلية وسط القضايا الفرعية التي ابتكرها المشرع الذي "خرب" الطبخة كعادته؟ وأين ذلك الخيال الخصب الذي رسمه للناس حماة الهوية الكويتية الأصيلة عن الأهوال التي ستنزل علينا؟ لن نجد إجابة واضحة، فكل ما حصل تسلق وأعمال لإبراء ذمة.شيئان واضحان حصلا لا أستطيع تجاوزهما، الأول هو زيادة الاحتقان بين مكونات المجتمع الصغير، الثاني تضييع الحقيقة الماثلة أمام الحكومي الصرف والعنصري العتيد، وهي أن التجنيس المستهجن من حماة الهوية الكويتية الأصيلة لم يتم إلا بختم الحكومة، ولم يبتكر إلا من داخل عقلها عندما وجدت في تلك السياسة الحل الأسهل والأسرع لمواجهة المعارضة في ستينيات القرن الماضي، وهي ذات العقلية التي شهرت السلاح نفسه، ولكن بالسحب والإسقاط ضد خصومها، أما من في "بطنهم علة" وأعني من يعلمون حقيقة العلم بصلابة "جناسيهم" فهم لا يختلفون عن غيرهم في إبقاء سلاح الجنسية بيد الحكومة منفردة حتى لو صرحوا عكس ذلك؛ لأنهم يعلمون جيدا أن مصيرهم سينتهي لو فتح ملف الجنسية بشكل صحيح.في الختام لا يبدو أن تفعيل خصوصية "المسؤولية الاجتماعية" له جمهور حاشد أو ربما هو موجود، ولكنه غير مؤثر في سياق الأحداث، لأن الشطط هو سيد الموقف، والإعلام لا يبحث إلا عن الإثارة، وبعض كبار الكتّاب واصلوا كشف ما ستره الله أيام مجدهم، وأعتقد جازما أن النقص الشديد في فيتامين "القدوة" هو "زبدة الهرج" في حالنا وأحوالنا، والله المستعان.