أصبحت منطقة الصبية الصحراوية، التي تقع في شمال شرق دولة الكويت في الآونة الأخيرة محط انظار بعثات التنقيب الاثرية العالمية، بعدما كشفت اعمال التنقيب هناك عن وجود أدلة على حضارات موغلة في القدم تعود الى حقبة ما قبل الميلاد بالاف السنين.

وتحتضن"الصبية"، التي تبعد عن الجهراء نحو 50 كيلومترا، مواقع اثرية مهمة في تاريخ منطقة الشرق الاوسط يعود بعضها الى عصر ما يعرف لدى خبراء الاثار بـ "حضارة العبيد" التي تعتبر من أوائل الحضارات الشرقية وبداية استيطان الانسان في تلك المنطقة.

Ad

وفي هذا الاطار، قال الباحث في التاريخ والتراث الكويتي عبدالله محمد بن ناصر ان الصبية مرت بثلاث مراحل تاريخية مهمة أولاها العصر الحجري الحديث او عصر ما قبل التاريخ، وشهدت هذه الفترة حضارة العبيد، التي امتدت من 4500 الى 5500 قبل الميلاد بحسب تصنيف خبراء الاثار، وقد اطلق عليها هذا الاسم نسبة الى تل صغير يعرف بـ "تل العبيد".

وأوضح بن ناصر انه تم العثور على أدوات تدل على وجود مظاهر حياة بشرية في ارض الصبية منذ 7300 سنة، أهمها "الرحى"، وهي عبارة عن أداة مصنوعة من الحجارة تستخدم لجرش الحبوب إضافة الى العثور على جمجمة بشرية تعود للألف الرابع قبل الميلاد.

وذكر انه تم ايضا العثور على اقدم نموذج لقارب وحبة من اللؤلؤ مثقوبة علاوة على عقدين من الاصداف ومجموعة من الفخاريات الملونة يعود عمرها الى خمسة الاف سنة قبل الميلاد، وكذلك العثور اخيرا على اقدم طبعة قدم بشرية في تلك المنطقة اضافة الى "صخرة مديرة".

وبيَّن أن هذه الصخرة عبارة عن تكوين جيولوجي صخري يقع في منطقة "مديرة" على شكل عش الغراب باللون البني، قبل ان تنهار قاعدته وينقلب على احد جانبيه، لكن ما يميز هذه الصخرة هو ما تحمله من رسومات ومنحوتات قديمة لبعض الحيوانات التي تمثل جانبا من الحياة الرعوية التي كانت تسكن هذه الأرض قديما.

العصر البرونزي

وأضاف بن ناصر أن العصر الثاني الذي مر على "الصبية" هو العصر البرونزي الذي سمي بذلك لكثرة استخدام الإنسان فيه لخلائط المعادن كما تدل عليه الفخاريات المكتشفة.

ولفت إلى انه خلال عامي 2005 - 2006 قامت البعثة الخليجية للبحث عن الآثار بالتنقيب في اسفل منحدرات "جال الزور"، حيث تم اكتشاف 14 مدفنا شمال آبار "أمغيرة"، لتعتبر بذلك من اكبر التجمعات لمدافن العصر البرونزي وقد جرى التنقيب في ثمان منها إضافة الى العثور على بئر كبيرة.

وقال إن العصر الاسلامي هو ثالث العصور التي مرت على "الصبية" وما حولها، لاسيما منطقة "كاظمة"، حيث اكتشف فريق التنقيب الاثري الكويتي بقايا حصن قديم يبلغ طول ضلعه نحو ثلاثين مترا، وفي زواياه الأربع بقايا لأبراج دائرية يعتقد انها "حصن كاظمة" المنطقة المعروفة في التاريخ الإسلامي، والتي خاض المسلمون فيها معركة "ذات السلاسل" بقيادة خالد بن الوليد ضد جيوش الفرس.

وأشار بن ناصر إلى ما جاء في كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي بأن "كسرى ملك الفرس أمر جنده بحفر خندق على نهر الفرات حتى كاظمة لمنع تقدم الجيوش الغازية" بينما ذكر الاصفهاني الحسن بن عبدالله في كتابه "بلاد العرب" ان كاظمة تقع على ساحل البحر، وبها حصن فيه سلاح أعد لملاقاة العدو وبها تجارة ودور مبنية وعامة أهلها من قبيلة تميم.

وأشاد بجهود المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ومحاولاته للحفاظ على المواقع الاثرية في دولة الكويت، مبيناً ان إدارة الاثار والمتاحف التابعة للمجلس تستضيف سنويا ما لا يقل عن خمس بعثات تنقيب أثرية اجنبية تعمل مع فريق شبابي كويتي في التنقيب لاكتشاف العديد من المواقع الاثرية، سواء على ارض الكويت او الجزر التابعة لها، كما أنهم "بصدد بدء عمليات الكشف الاثري تحت الماء".