أرض شاسعة ورائعة، مليئة بالطبيعة الخلابة، فالخضرة فيها تمتد آلاف الكيلومترات، والأشجار تخفي داخلها تاريخ آلاف السنين منذ عهد النبي سليمان عليه السلام والملكة بلقيس. الجبال لا حصر لها، والبحيرات الواسعة ذات الجمال الأخَّاذ تتوزع في الشمال والجنوب والشرق والغرب، والأنهار تفيض بالمياه، تشق طريقها في كل اتجاه في "الحبشة" التاريخية أو إثيوبيا كما نعرفها اليوم. أرض هاجر إليها صحابة رسول الله (ص) قبل أكثرمن 1400 عام، وبعضهم مات فيها، وقبورهم في قرية "النجاشي" شمالي البلاد شاهدة على وجودهم فيها، واستقرارهم بين أهاليها المتسامحين.

إثيوبيا، عرفت بالمصطلح الجغرافي بـ"منطقة القرن الإفريقي"، شطرها الأخدود الإفريقي الشرقي إلى قسمين: شمالي، وهو عبارة عن هضبة داخلة من ضمن حوض نهر النيل وتجري فيها أنهار عديدة، منها نهر "النيل الأزرق"، الذي ينبع من بحيرة تانا العظيمة، ونهر "عطبرة" ذو الروافد الكثيرة، ونهر "بركة"، الذي يبدأ من مرتفعات إريتريا ويتجه شمالاً إلى البحر الأحمر، ونهر "القاش" (الجاش) الذي يبدأ من شمال الهضبة ويمر بإرتيريا حتى يصل إلى حدود السودان، وهذا الجزء هو مركز الحكم لمملكة "الحبشة" التاريخية.

Ad

أما القسم الجنوبي، فيتميز بأنه أقل وعورة من القسم الشمالي، لكنه لا يخلو من المرتفعات الرائعة والوديان الجميلة، والأنهار البديعة، كنهر "عواش" (أواش) الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال الشرقي، وبعدها يتجه إلى الجنوب إلى أن يتوقف في الرمال، قبل أن يصل إلى ساحل البحر الأحمر. أما الطقس، فيكاد يكون منقطع النظير في العالم، مما شكل عاملاً جاذباً لكثير من الأجناس للهجرة والاستقرار في الحبشة من الكثير من الدول المجاورة، خصوصاً من الجزيرة العربية.

ففي الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة ارتفاعاً كبيراً في منطقتنا العربية، يكون الطقس في الهضبة الإثيوبية معتدلاً جداً، حيث تبلغ الحرارة في ساعات الصباح الأولى في حدود 10 درجات مئوية، وترتفع تدريجياً إلى حوالي 15 درجة في النهار، ثم تنخفض إلى أقل من 10 درجات في ساعات الليل المتأخرة.

وتسقط الأمطار في منتصف شهر يونيو، وتستمر ثلاثة أشهر، وهي فترة الأمطار الغزيرة، التي تفيض عن الحاجة المحلية، وتملأ أنهار إثيوبيا العظيمة. أما فترة الأمطار الصغيرة، فإنها تبدأ في شهر مارس وتنتهي في شهر مايو، وأمطارها وحدها كافية لحاجة البلاد للري والزراعة.

عاصمتها "أديس أبابا" ترتفع عن مستوى سطح البحر 2300 متر، وتحيط بها التلال من كل جانب، كأنها حارس طبيعي يحميها ويرعاها، وبداخلها مئات السهول، التي تشغل العين بجمالها البديع، وتضفي على النفس متعة تعجز الكلمات عن شرحها.

زرتها قبل عام، فوقعت في حبها، وبدأتُ قراءة تاريخها الممتد آلاف السنين، فازددت حباً لها. وسعدت لوجود بعض الكتابات القديمة عنها بأقلام المبكرين من المؤلفين كالإمام جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (المتوفى عام 1505م) والإمام تقي الدين علي بن عبدالقادر المقريزي (المتوفى عام 1446م) والكاتب الإنكليزي سامويل جونسون (المتوفى عام 1784م) والكثيرين غيرهم. في المقال المقبل، سنتحدث عن بداية العلاقة بين الحبشة والعرب وتطورها مع الزمن.