فردوس بالمخ!
"تفرقع" بعقلي سؤال لُغوي، فاتصلت بعضو مجمع اللغة العربية من دمشق، يا أستاذي: "paradise" وباراديسوس و"بغاديس" كلها كلمات أوروبية تعني الجنة، فهل هذا يؤكد أنها أتت من جمع كلمة "فِردوس" التي تكون على وزن مفاعيل "فراديس" المطابقة للفظ الأوروبي؟ بخلاف قلبهم لبائِنا العربية إلى "پائهم" الأعجمية؟! فأجاب: "تبدو فارسية"، فقلت: الفرس يجمعون بإضافة تصريف "آن"، ليصبح عندهم جمع كلمةُ فردوس "فردوسان"، لا فراديس المطابقة للاتينية، فقاطع: تمهل ريثما أفتح المصادر اللغوية، وبهدوءٍ تابع كلامه: تبين أن أحد العلماء أورد أنها رُومية الأصل، فقلت: يعني، ليست عربية ولا فارسية؟، فرد بعد قهقهته المحبوبة: بل يبدو أنها عربية، لأن فعل فَرْدَسَ يعني وسّع الكرم وعرّشه... هو د. محمد حسان الطيان، الذي فردس عقلي بفكرةٍ ربطت لي مفهوم خيوط الدماغ بسعادة الأذهان. لغةً: الفردوس هو البستان الجامع لصنوف الورود والزهور، ودماغ المثقف، تكون خلاياه جامعةً لألوان المشاعر وأصناف العلم، فالجهاز الحوفي ومنطقة المهاد والناصية كلها أماكن في دماغ تحتوي على خلايا دماغية تسمى بالعصبونات، شكلها كروي تقريبا، سِعة تخزينها هي قيمة معلوماتية وحِسية واحدة، فأي موقف يحصل لك قد يستهلك عشرات العصبونات التي تتشابك مع بعض مستخدمة البروتينات. فالعصبونة الواحدة ما هي إلا كرة خَلوية ذات ذيول يلسع بعضها بعضاً بأقل من 4 ميكرو- فولت، لتتأجج الكيماويات المختزلة في العصبونة، فتُشعر الإنسان بالقيمة المعلوماتية والحِسية المُشفرة فيها من هذا الموقف أو ذاك، فالطالب الثرثار في صف، حينما تكون ثرثرته بدرسه، فهو يشبك شَبكات الشبكات بمخه. وعندما يسأل ويُسأل، ويُجيب ويُجاب له، ويتذكر ويتخيل ويمزح في درسه، فإن عصبوناته تتشجر وتتثجر وتتفرع وتتجذر (ثجر الجذع أي غلظ)، ومن الظريف أننا في الخليج نُعيِّر المصريين، حينما نعتبرهم كثيري الكلام في المدرسة، رغم أن أبناءهم وبناتهم كل سنة يتفوقون على أجيال الخليج، فالسر ليس في الفول، بل في الأدغال العصبونية في دماغ عطية وريهام! وزراعة العصبونات، تأتي من تكرير وتكرير وتكرير التفكير! ولكي تتفعل "اللدانة" (الشبك العصبوني) ينبغي ُتنشيط الذهن بأي شكل، وأسرع لدانة تكون لمن يجرب الجديد ويتحدث لغات متعددة، وثمة هناك بشائر من اختصاصيي الأعصاب لأطباء النفس.
إن التنقل بين عصبونة وأخرى يعطينا نشوة عميقة، فكل انتقالة تضخ هرمونات السعادة المسماة بـ "هرمونات النواقل العصبية"، منحنا الله تريليون عصبونة جاهز لتجدد، أي (1.000.000.000.000) خلية دماغية، فهل نحن جاهزون لفَردَسة دماغنا؟