العجز سيبلغ 12 مليار دينار لو طبقنا مبادئ المالية العامة

لن يبقى احتياطي عام أو أجيال قادمة مع دخول 400 ألف مواطن سوق العمل خلال 15 عاماً

نشر في 01-04-2017
آخر تحديث 01-04-2017 | 18:24
الكويت
الكويت
لا يعتمد علم المالية الإيرادات العامة ما لم تكن مستدامة، أي ناتجة عن نشاط اقتصادي -ضرائب-، بينما بيع النفط الخام ما هو إلا استبدال أصل عيني بأصل نقدي إضافة إلى أنه مصدر ناضب وعرضة للتقادم.
استعرض تقرير «الشال» الاقتصادي الأسبوعي موضوع العجز المالي للدولة، قائلاً: «لسنا مسؤولين عن السياسة العامة، ولا ندعي حصانة لما نذكر في تقريرنا، لكننا نجزم بأن عجز الموازنة العامة هو عجز حقيقي كبير وخطير، خلافاً لما يذكره أكثر من مصدر، وخلاصته أن العجز إما غير موجود، أو حتى إن الموازنة العامة تحقق فائضاً.

وسبب تطرقنا للموضوع هو انتهاء سنة مالية صعبة بعجز قدرناه بنحو 4-5 مليارات دينار كويتي، وهو أدنى من واقعه لو احتكمنا إلى علم المالية العامة، بينما طروحات عدم وجود عجز، إن صدقناها، وما يترتب عليها من طروحات شعبوية، قد يودي باستقرار البلد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المستقبل.

فعندما تذكر رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، عدم وجود عجز، مثلاً، وغيرها كثيرون، هي تفترض أن إضافة دخل الاستثمار وهو بحدود 3 إلى 4 مليارات دينار، إلى الإيرادات النفطية عند السعر السائد في تاريخ التصريح (نوفمبر 2015)، إضافة إلى الإيرادات غير النفطية وهي شحيحة، كافية لتغطية العجز في سنة مالية محددة.

بينما علم المالية العامة لا يعتمد الإيرادات العامة ما لم تكن مستدامة، أي ناتجة عن نشاط اقتصادي -ضرائب-، وبيع النفط الخام ما هو سوى استبدال أصل عيني بأصل نقدي، والنفط ناضب أو عرضة للتقادم العلمي، والتقادم العلمي يعني ضعف الحاجة إليه وهبوط أسعاره، وهو ما يحدث حالياً.

لذلك، ومنذ سبعينيات القرن الفائت، قامت النرويج باستبعاد 96 في المئة من دخل النفط من الإيرادات العامة، وحولته لاحقاً إلى صندوق سيادي للتقاعد لكل الأجيال القادمة، أي طبقت تماماً مبادئ علم المالية العامة.

العجز المالي

ولو طبقت الكويت مبادئ المالية العامة، لأصبح العجز المالي الحقيقي ثلاثة أضعاف العجز المتوقع، أو نحو 12 مليار دينار، لكنه أمر بات مستحيلاً، ورئيسة صندوق النقد الدولي وفقاً لتصريحها، إما أنها تظن بأننا نفهم بديهيات التمييز بين المستدام من عدمه، وسنة مالية واحدة مجرد استثناء، أو أنها لا تهتم سوى بجمهور الراغبين بإقراضنا.

وفي الكويت، ومع حتمية زيادة النفقات العامة بمرور الزمن، ومع التغير السلبي الجوهري في أهمية النفط التقليدي، ومع الضغط إلى أدنى على كل من أسعاره وكمية إنتاجه، ومع توقعات دخول 400 ألف مواطن إلى سوق العمل خلال 15 عاماً مقبلة، لن يبقى احتياطي عام ولا احتياطي أجيال قادمة بحلول تلك المهلة، وسوف تبتلع فوائد وأقساط الديون هامشاً كبيراً من الإيرادات العامة، وتترك ما لا يكفي ضرورات معظم الناس. مثال على تطورات الأوضاع: ضاعفت دول الخليج الست حجم اقتراضها من السوق العالمي لتمويل عجوزاتها بنحو 15 ضعفاً عام 2016 مقارنة بمستوى قروضها عام 2015، وبعضها حالياً يفكر في بيع جزء من إنتاجه النفطي المستقبلي لتمويل عجوزاته الحالية.

ولن يفيد معظم الناس الاعتذار مستقبلاً عن التبعات الكارثية لاستمرار السياسة المالية الحالية، كما لا يفيد حالياً الاعتذار عن غياب الوعي بأن رواج سوق النفط في الماضي القريب لم يكن ليدوم.

وأفضل وأنجع السياسات، هي تلك السياسات الاستباقية، التي تمنع حدوث الضرر، أو تقلل كثيراً من حجمه، مقارنة بتلك السياسات المتأخرة التي تحاول التعامل مع الأضرار بعد وقوعها، وهذه المرة، ستكون الأضرار غير قابلة للإصلاح إذا استمرينا في تسويق فكرة أن لا عجز حقيقياً في المالية العامة.

الاعتذار مستقبلاً عن التبعات الكارثية لاستمرار السياسة المالية الحالية لن يفيد معظم الناس
back to top