الأديب والوطنية
كان السؤال الذي طرحه بعض الزملاء على "الفيس بوك" هو: هل يحتاج الكاتب إلى جنسية بلد ينتمي إليه ليحقق نجاحاً ما؟ كانت الردود متوافقة على أن الكاتب لا يحتاج إلى جنسية أو بلد، لأن كتابته هي وسيلته للوصول إلى القارئ. تلك الإجابة أستطيع تفهمها من الكتّاب الذين لا يعانون فقدان هويتهم، ولكن لكاتب لا يعترف به وطنه الذي ولد وعاش فيه ومازال كذلك، مسألة ليست مهمة فقط، بل هي مسألة وجود. الكاتب الذي لا يعترف به بلد ما يعيش حياته خارج المكان، وخارج زمانه الذي يسكن تماماً دون الشعور الحقيقي بأيهما. هذه العلاقة بين المواطنة والكتابة لا تعني أن إبداع الكاتب لن يصل إلى قارئه في أي مكان في العالم. إذ قدمت التكنولوجيا الحديثة فرص انتشار لا يحتاج معها الكاتب إلى مؤسسة بلده لمساعدته في ذلك. لكنه يحتاج إلى الفرص الممكنة في بلده لكي تساعده على الانتشار خصوصاً في بداياته. الكاتب "البدون"، مثالاً، لا تقبله مؤسسات المجتمع المدني، كرابطة الأدباء أو جمعية الصحفيين، ولا تشركه في ندواتها أو تقدمه للعالم العربي كما تفعل مع زميله الكويتي، بل يقف المجتمع منه موقفاً مسبقاً اتخذه من قضيته وكيانه، وتشترك في هذا الموقف مجموعة كبيرة من المثقفين العنصريين، أما زملاؤه الكتاب، الذين يشكلون تجمعات، فإنه لا يجد مجالاً للمساهمة فيها.
وإذا كانت مؤسسات المجتمع المدني ترفضه فمن الطبيعي أن ترفضه مؤسسات الدولة، فلا وزارة إعلام ترحب به، ولا يكافئه مجلس ثقافة وفنون وآداب، ولا يستقبله مدير أو وزير حين يحقق إنجازاً. ومع كل تلك المعاملة القاسية تجده يعمل بجد معتمداً على الإجابة الساذجة: الأديب لا يحتاج جنسية بلد كي يبدع. لولا حاجة الكاتب لجنسية بلده لما فقدنا شعراء وكتاب وصل بهم اليأس من كل شيء إلى مغادرة كل شيء، ولما هاجرت مجموعة أخرى إلى بلدان قريبة وبعيدة بحثاً عن بلد تنتمي إليه.ولطيفة بطي، التي عرفتها قبل عشرين سنة كتبت في بداية حياتها مجموعتين قصصتين، لتكرس بعد ذلك حياتها لأدب الطفل والناشئة، تشارك في معرض الكتاب بدار صغيرة تخسر فيها أكثر مما تربح. تطبع أغلب أعمالها في بيروت وتكتب أغلب قصصها عن الكويت والحياة التراثية في الكويت مهتمة بالأمثال والألعاب والحكايات الشعبية. تعمل بصمت وجهد كبيرين لم تنتظر تكريماً من بلدها، الذي لا تحمل جنسيته، والذي ماكان ليهتم بها بعض مثقفيه في الأيام القليلة الماضية لولا فوزها بجائزة الشيخ زايد عن فئة قصص الأطفال والناشئة. حصلت لطيفة على تكريم من مؤسسة لم تهتم كثيراً لجنسية الكاتبة. وهو تكريم تستحقه لطيفة بدون أدنى شك لمثابرتها وجهدها الكبير في إحياء الكتابة في مجال صعب. الكتابة للطفل هي أصعب بكثير من الكتابة للكبار. لم تيأس ولم تستسلم وهي تحصد ما زرعته. ولكن الألم هو أن لطيفة وغيرها من كتّابنا لا يجدون من بلدهم ومثقفي بلدهم إلا الجحود التام.