كان عبد الحليم حافظ نجم الاحتفال بلا منازع، فمعظم الكلمات التي ألقيت ركزت على دور هذا الفنان الإنساني والوطني، وتمثيله الشعب بشرائحه المختلفة، وجاء أداء الفنانين نابعاً من تفاعل مع شخصية عبد الحليم وكلمات أغانيه وألحانها، فأطربوا الجمهور الذي صفق طويلا بعد كل وصلة غنائية، بمرافقة الأوركسترا الوطنيّة اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج.
طربوا وأطربوا
استهل الفنان اللبناني سعد رمضان الحفلة الغنائية فأدى مجموعة من الأغنيات لعبد الحليم حافظ، وأضفى أجواء من الفرح وتعالت أصوات من أرجاء القاعة تغني معه، بعد ذلك اعتلى المسرح الفنان المصري أحمد محمد عفّت فأدى بدوره أغنيات من ربرتوار عبد الحليم حافظ الرومنسي، وأشعل القاعة بأدائه المتقن، وبحركات يديه الشبيهة بحركات عبد الحليم حافظ، وكأنه تقمص شخصية النجم الكبير، فأحبّه الجمهور وصفق له، وطلب منه المزيد. ووسط هذا التفاعل الكبير، أبدع أحمد عفت في أدائه وكانت لحظات لا تنسى استحضرت عبد الحليم حافظ، بروحه وفنه. بعد ذلك اعتلى عازف الكمان اللبناني جهاد عقل المسرح، فعزف برفقة الأوركسترا ألحاناً من أغنيات عبد الحليم حافظ، وساد القاعة جو من الشجن وأصغى الجمهور بنوع من الحنين إلى الموسيقى التي زادها عزف جهاد عقل نبضاً وحياة.مسك الختام كان مع الفنان التونسي محمد الجبالي، فأدى بصوته الشجي أغنيات لعبد الحليم حافظ، وتميز أداؤه بحنان اخترق قلوب الجمهور، فوقف الجمهور وأنشد معه ورقص وطالبه بالمزيد، وأشبع عطش هذا الجمهور إلى الموسيقى والأغاني الجميلة الخالدة.كلمات
ركزت معظم الكلمات التي ألقيت في المناسبة على شمولية عبد الحليم حافظ الفنان والإنسان. بداية رحب رئيس لجنة رواد الشرق أنطوان عطوي بالحضور، شاكرا كل من ساهم في نجاح الحفل، ووصف عبد الحليم حافظ بأنه «ساحر وعصا سحره تواضعه، كلماته تجذبك بقوة وصوت هادر يصعد من أعماق قلبه ويملأ قلوب الملايين»... بعد ذلك تحدث وزير الثقافة غطاس خوري، فاعتبر أن «تكريم رواد الشرق الأوائل يؤكد التزامنا معايير الوفاء والامتنان لهم»، لافتا الى أن «كل واحد منهم أعطى من دون حدود لنستمتع بالكلمة ونطرب للنغم ونحلق مع الصوت فنعيش في حالة من السمو الراقي».وأضاف: «اليوم نحن مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذي يتسم أداؤه بالأصالة والتجدد، أطرب الجميع وشغل قلوب الملايين في العالم العربي. غنى للحب والعروبة والثورة، ولكنه كان يعلم أن لا فنجان يشبه فنجانه حين جلس قبالتها والخوف بعينيها، فخطفه المرض سريعاً ولا اعتراض على حكم الله، وبغيابه خسر العالم العربي فنانا كبيراً».بدوره أعتبر السفير المصري نزيه النجاري أن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أثرى بفنه تراث الغناء والموسيقى العربية وترك بصمات لا يمحوها الزمان من وجدان الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.وقال: «اليوم من بيروت الحبيبة، حيث غنى عبد الحليم حافظ وأطرب الشعب اللبناني الشقيق بروائعه، من بيروت التي شهدت صخرتها أحد فصول الإبداع الرائعة للعندليب الأسمر، نحيي جميعا ذكرى عبد الحليم حافظ ونستدعي ما تركه فنه في وجداننا ونستحضر روح الوطنية والانتماء لأوطاننا علها تعيننا وتلهمنا في مواجهة ما يعيشه عالمنا العربي اليوم من تحديات أؤمن بأننا سننجح معا في التصدي لها»، مؤكدا أن «عبد الحليم حافظ كان على الدوام قادرا على بث روح التفاؤل والأمل في أقسى اللحظات وأكثرها صعوبة.أما الدكتور محمد عبد الباري القدسي الذي مثل المدير العام لمنظمة الكسو عبد الله المحارب، فأشار إلى أن «كل ما يقدم في هذه الأمسية يعتبر إسهاماً من كل البلدان العربية في تخليد أحد أبرز الفنانين وهو العندليب الأسمر الذي فارق الحياة منذ أربعين سنة وبقي نهراً خالداً بعطائه الذي تتناقله الأجيال المتعاقبة ويخلده التاريخ كأحد أهم المطربين العرب في القرن العشرين ولم ينحبس صيته وصوته على الوطن العربي فحسب، بل تعداه إلى كل من يتذوق صوت الحرف العربي في كل مكان».أضاف: «السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ، أكثر من 200 أغنية تعاون من خلالها مع أبرز الملحنين في مصر، من أمثال كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب. ولفت نجاحه الموسيقي أنظار المخرجين السينمائيين ، فقام ببطولة 16 فيلماً كان أولها «لحن الوفاء» في العام 1955 وآخرها «أبي فوق الشجرة» في العام 1969، كما غنى بصوته في ستة أفلام قبل ظهوره السينمائي». ولفت إلى أنه «في 25 أبريل 1977، أي بعد فترة قصيرة من غياب العندليب، توفي الشاعر المصري الكبير محمود حسن اسماعيل الذي خصصت له المنظمة الدورة الثالثة لليوم العربي للشعر التي احتضنتها جمهورية مصر في إطار انطلاق تظاهرة الأقصر عاصمة للثقافة العربية في العام 2017، بعد استلامها المشعل من شقيقتها التونسية صفاقس عاصمة الثقافة العربية في العام 2016».تابع: «آثرت المنظمة الربط بين الحدثين للإشارة إلى متانة العلاقة بين الموسيقى والشعر»، مشيرا إلى أن «وشيجة الغناء الواشجة تحمل الموسيقيين والشعراء جميعاً معا، على أن يجتمعوا على لغة سواء، وتلتبس أنغام الموسيقي بتفعيلات الشاعر والبحر العروضي بالمقام الموسيقي، وتتفجر اللغة نسائم من الألحان والأوزان والأنغام، ويتجلى خصب توظيف الشعر توظيفاً موسيقياً».من وحي العندليب
على هامش الحفلة نظمت لجنة تكريم رواد الشرق معرضاً تشكيلياً، شارك فيه 70 فناناً من أنحاء العالم العربي، صورت ريشة كل واحد منهم «العندليب الأسمر» كما يراه. تنوعت اللوحات بين البورتريه والتعبيرية المستوحاة من أغانيه. وإذا كانت لوحات البورتريه لم تسبر أعماق الفنان وتبرز شخصيته في ملامح وجهه، فإن اللوحات التعبيرية ومن تيارات فنية مختلفة، تميزت بألوانها النابضة بالحياة وبجمالية نابعة من الأغنيات الخالدة، من بينها لوحة للرسامة التشكيلية اللبنانية جومانا بو مطر التي جسدت في النوتة الموسيقية وهي ترقص على هدي كلمات اغنية عبد الحليم «وحياة قلبي وأفراحو وهناه في مساه وصباحو»، وسط شلال من الالوان التي تعكس النور وتنفذ إلى أعماق القلب وتجسّد هذا «الكبير» بروحه وفنه.