لم تكد هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات تباشر أعمالها، وفق ما نص عليه قانون إنشائها، حتى بدأت تعيد إلى الأذهان الفوضى التي خلفتها وزارة المواصلات في قطاع الاتصالات؛ فالهيئة التي نصت المادة الثالثة من قانونها على تنظيم "قطاع الاتصالات والإشراف عليه ورقابته"، تركت مقعد الحياد المطلوب لممارسة دورها على الشركات المختصة، لتصبح لاعباً وطرفاً أساسياً دخل في علاقات تجارية مع بعض الشركات.

وتحدد المادة 10 من قانون الهيئة علاقتها التعاقدية مع الشركات وشكلها وآليتها، إذ تنص هذه المادة على أن "لمجلس الإدارة أن يتعاقد مع هيئات أو جهات أو مؤسسات أو شركات متخصصة، علمية أو فنية أو قانونية، أو يتعاون معها للقيام ببعض وظائف أعمال الهيئة أو مهامها"، غير أن ما هو معروف في شكل التعاقدات والاتفاقات تحوّل إلى دخول الهيئة شريكاً في تقديم الخدمات من خلال توقيع اتفاقات مع بعض الشركات، وهذا يخالف آلية عملها الأساسية المتمثلة في الرقابة والتنظيم، حيث بدأت تسلك مسلكاً آخر لا يقع ضمن اختصاصاتها أو الصلاحيات المتاحة لها، خصوصاً أنها وقعت بعض الاتفاقات الخاصة مع شركات معينة دون غيرها لتقديم خدمات محددة.

Ad

تلك الاتفاقات والتعاقدات تطرح سؤالاً مهماً، لاسيما حول تلك النوعية من العقود التي تقدم خدمات عامة إلى المواطنين، فهل طُرِحت مثل تلك الاتفاقات في مناقصة أو مزايدة عامة لضمان العدالة والمساواة والحصول على أفضل الأسعار لحماية خزينة الدولة أولاً، ثم الحصول على أفضل الخدمات ثانياً؟

دخول هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات كمقدم لبعض الخدمات، بالتعاون مع شركات بعينها، يضع الشركات الأخرى في حيرة من أمرها في حال وجود شكوى أو ما شابه تريد إيصالها إلى مسؤولي الهيئة، فالقائمون على هذه الشركات المتضررة يدركون تماماً أن الهيئة تخلت عن مبدأ الحيادية في التعامل مع جميع الشركات من منظور واحد حسب القانون، ذلك لأن الهيئة وقعت مذكرات تفاهم واتفاقات وعقوداً خاصة مع شركات دون غيرها، الأمر الذي يفقدها الشفافية في التعاطي مع الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات، وفي مقدمتها شركات الاتصالات المحلية الثلاث، والشركات الرئيسية المزودة لخدمات الإنترنت وغيرها، وبالتالي فإن آلية عمل الهيئة لم تظهر بالشكل المناسب المحدد وفق الأطر القانونية المتبعة.

فقد كان الخلل، الذي دفع إلى إنشاء الهيئة، عائداً إلى تداخل اختصاصات وزارة المواصلات التي تضع السياسات العامة لقطاع الاتصالات، واللوائح والنظم، وتراقب الجهات المقدمة لخدمات الاتصال، وفوق ذلك كله تقدم الكثير من الخدمات مباشرة إلى المستهلك (الهواتف المنزلية والبريد والاتصالات الدولية، على سبيل المثال). هذا الخلل عولج في أغلب الدول الخليجية بإنشاء هيئة تنظيم الاتصالات، لتختص بوضع اللوائح والنظم وإصدار التراخيص ومراقبة الشركات المقدمة للخدمات ومحاسبتها، وربما سحب تراخيصها إذا أخلت بتطبيق تلك اللوائح والنظم، وبعبارة أخرى فالوزارة تضع السياسات العامة والهيئة تنظم تقديم الخدمات، والشركات تقدمها تحت عين ومراقبة الهيئة. هذا الدور الواضح للهيئة هو سر نجاحها في كل دول العالم التي أنشأتها، أما بتحويلها إلى نسخة مشوهة من وزارة المواصلات بجميع علاتها، فلا طبنا ولا غدا الشر.

فآلية عمل الهيئة لا تزال غير واضحة المعالم، خصوصاً أن بعض الإجراءات التي اتخذتها أخيراً، لا تدخل ضمن صميم عملها الأساسي وفق ما ذكر في مواد القانون، وبدلاً من تسريع إصدار اللوائح المعنية بقطاع الاتصالات ووضع سياسات تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، أخذت الهيئة على عاتقها التحوُّل من جهة رقابية تنظيمية إلى منافس يملك السلطة الكبرى على جميع الشركات، وعوضاً عن أن تكون الحكم يبدو أنها في طريقها إلى التحول إلى نسخة جديدة من وزارة المواصلات تكون فيها الخصم والحكم.