التدليس في مسألة التجنيس
الجدل حول الجنسية يبدو كأنه جدل خداع للذات وللنفس؛ باستثناء حق التقاضي، سواء في سحب الجنسية وإسقاطها، أو غير ذلك من القضايا، لضمان عدم مظلمة الإنسان، فهو حق مطلق لا تدليس حوله، وهو حق يجب أن يكون مكفولاً لجميع الناس، بكل جنسياتهم أو بدونها، هذا إذا افترضنا أننا نعيش في كنف دولة يسودها القانون.أما أي تعديلات أخرى فهي خاضعة للنقاش والأخذ والرد، والقبول أو الرفض، ولا أظن أنها قد حظيت بحقها في ذلك.
تكمن الإشكالية في أن الجنسية لا يتم التعامل معها على أنها حق للمواطن، بل هبة و"شرف"، ومن الممكن لمن مَنحها أن يسترجعها وقتما يشاء ويعيدها مرة ثانية وقتما أراد، لا معقب وراءه، حتى القضاء النزيه المستقل. كان ذلك ملخص الحديث الذي دار بين وزير العدل حمود الزيد الخالد والشيخ سعد العبدالله، رحمهما الله، في لجنة الدستور سنة ١٩٦٢.وبعيداً عن التعديلات والنوايا وراءها فيبدو أن سؤالاً مهماً لا يتم طرحه من جميع أطراف المعادلة، وهو: كيف وصلت الأرقام المتداولة عن المزدوجين إلى هذا الحد وتحولت بقدرة قادر إلى بورصة أوصلتنا إلى نصف مليون؟ ولماذا يتم تداول ذلك في ظل صمت مريب من الجهة المنسوب إليها كمصدر؟ ألا يجدر بحكومة مسؤولة أن تخرج علينا ببيان توضح فيه مدى صحة هذه الأرقام من عدمها؟ وهل تم ذلك في إطار القانون القائم الذي يقولون عنه إنه القانون الأمثل؟ ولماذا لا تطبق هي القانون؟ ويبقى السؤال مفتوحاً: ما الفرق بين القانون القائم والتعديلات التي ستجرى عليه، مادامت النتائج كما هي معلنة؟أحد أهم مآزق الجنسية هي أن منحها وسحبها وإسقاطها تتم دون شفافية على الإطلاق؛ ففي دراسة سابقة اتضح أن جميع مكونات المجتمع غير راضية عن الطريقة التي يتم بها منح الجنسية، ومع ذلك استمرت الحكومة في أسلوبها بالتجنيس دون توقف، وقد ثبت خطل تلك الإجراءات بالدليل القاطع في تقرير "لجنة ثامر" التي شكلها مجلس الوزراء سنة ٢٠٠٨، والتي كانت أول لجنة علنية في تاريخ الكويت المستقلة حول التجاوزات في منح الجنسية. النتائج كانت مفزعة ومقلقة ومع ذلك لا يبدو أن أحداً قد انزعج.الملاحظ أن الحكومة تسمع ولا تسمع، وترى ولا ترى، وهي بالتأكيد لا تتكلم ولا تنطق، إلا في حالات خاصة، وكأنها فرحة بالانقسام المجتمعي، وهناك من يفرح معها بذلك. لن يتغير في الأمر الكثير، وللأسف ستبقى الجنسية شأناً مغلقاً، تمنحها الحكومة لمن تشاء وتسحبها ممن تشاء، مهما ظن البعض أنهم متميزون، فلا رقابة قضائية من أي نوع، وعدم وجود رقابة قضائية قد يحولها إلى سلطة مطلقة، وقد قيل قديماً إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.