أمير تاج السر
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
أما في (قلم زينب) فأنت إزاء ذات البيئة، حيث الرثاثة والاحتيال على العيش، وحيث تنمو الشخصيات لتتحدى هذا الواقع ما وسعها الجهد والحيلة. سواءً تمثل ذلك في شخصية الطبيب الذي يصارع عجزه الممزوج باليأس، أو في شخصية (إدريس علي) الذي اتخذ من النصب والاحتيال أداة من أدوات العيش. أما باقي الوجوه مثل (سماسم) والهندي (برد شاندرا) و(الشاويش خضر) و(نجفة) وغيرها من الوجوه فتأتي لتعزز فرادة تلك البيئة وسماتها الفارقة، وروائحها المعتّقة. ثانياً، تمتاح كتابة أمير تاج السرّ من الذاكرة ، وهي ذاكرة متوقّدة، مرتبة، مبدعة، متحيزة للجذور. والذاكرة إذا ما تعززت بالخيال- الذي يعيد تركيبها ونحتها كما يشاء مقام الكتابة-، توهّجت من جديد بتلك الواقعية السحرية الجذّابة. فيصبح الحدث أكثر إثارة، والشخصية أكثر حيوية وغنىً. في (قلم زينب) يرشدك الكاتب إلى أن الكتاب هو نتاج من نتاجات الذاكرة ، وذلك حين سمّاه (سيرة روائية). فالطبيب في السيرة هو ذاته الكاتب في مقتبل مهنته، وكذلك مساعده الممرض والمحتال (إدريس علي) و(الشاويش خضر)، كل هؤلاء قد يكونون من لحم الواقع المعيش الكامن في الذاكرة. ولكن هذه الذاكرة تحتاج ولا شك إلى شقّها الخلاق لتعيد صياغة ذلك الواقع داخل إطار الفن، فيولد لدينا هذا الأثر المسمى (سيرة روائية). ثالثاً، يأتي عنصر (الحسّ الساخر) لدى تاج السرّ ليسم كتابته بأهم سماتها. فرغم ما يلوّن بيئات رواياته من شظف وضنك، وشخصياته من بؤس ورقة حال إلا أنه يضفي عليها جميعاً تلك المسحة من حسّ الفكاهة والسخرية المبطنة، ويأخذك معها إلى فن كاريكاتيري بليغ يخصه هو دون منازع. فأنت حين تقرأ له تكون في حالة ابتسام دائم لا ينقطع، ابتسام قد يتحول إلى ضحك خفي أو معلن. وستجد وأنت في حالتك تلك كيف يأتي الحسّ الساخر معادلاً لحياة مهيضة ومتوازناً معها، وعلامة فاقعة على استحقاق الوجود رغم كل شيء.