"الصالح ينزع فتيل أزمة وثيقة الإصلاح بتجميدها"... هذا ما جاء بمانشيت القبس، بما يعني أن وثيقة الإصلاح الاقتصادي وضعت على الرف حتى تأتي الحكومة بوثيقة إصلاح جديدة، "تبحث (الحكومة) عن نقطة توافق بينها وبين المجلس حتى تبعد التأزيم والاستجوابات المقبلة"، ضمناً في الخبر يأتي الحل السياسي هنا ليقود أزمة الاقتصاد، وتوضع العربة قبل الحصان، وليس هذا بجديد على سياسات الدولة القائمة على الاسترضاءات السياسية، على حساب الواقع الاقتصادي، سواء كان برميل النفط بمئة دولار، كما كان قبل أكثر من ثلاثة أعوام، أو بحدود الأربعين دولاراً كما هو الآن.

في تقرير الشال الأخير يذكر أن العجز الحقيقي هو أكبر بكثير من المعلن، ويناقض التقرير رأي الكثيرين، مثل رأي رئيسة صندوق النقد الدولي "لأن علم المالية العامة لا يعتمد على الإيرادات العامة، ما لم تكن مستدامة، أي ناشئة عن نشاط اقتصادي -ضرائب- وبيع النفط الخام ما هو إلا استبدال أصل عيني بأصل نقدي، والنفط ناضب أو عرضة للتقادم العملي، والتقادم العملي يعني ضعف الحاجة إليه وهبوط أسعاره، وهو ما يحدث حاليا...".

Ad

هل هناك أمل لتجنب الخراب الاقتصادي القادم لا محالة؟! لا يوجد ما دامت الحكومة هي الحكومة، وما ظل الوعي العام هو ذاته لم يتغير، وما بقي -وهنا موطن الداء- الريع، أي الاعتماد على عائد لا دخل فيه للعمل والجهد الإنساني، هو الحاكم، وستظل الأمور على حالها تحت مظلة المرض الريعي، اتكالية على اليد العاملة الوافدة، واستغلالها لأقصى حد، سواء كان هذا الوافد طبيباً، ممرضاً، أو خادمة تتعلق بحافة شباك عالٍ تريد الهروب من زنزانة رب العمل، أو الهروب من دنيا عالم الكفالة (العبودية) الخليجي... أيضاً سيظل الفساد المالي بكل صوره وأمراض الواسطة والمحسوبية والرشا وغياب حكم القانون تحكم سير العمل بالمرفق العام بالدرجة الأولى.

تخيلوا أن تصبح الكويت مثل النرويج، حين حيدت عوائد النفط وفصلته عن الاقتصاد وتركته للأجيال القادمة، لا يمكن أن نتخيل الكويت أو دولنا الخليجية مثلها، هم استثمروا بالتعليم الجيد وبالإنسان وبحرياته، وهنا استثمرنا بناطحات الغبار وسيارات فوق جبال من السيارات، وبشوت سوداء تتصدر صور أصحابها جرائدنا بابتسامات الرياء الدبلوماسية الخاوية، الكل يعيشون لحظتهم ونسوا غدهم... لا حلول لتجنب مستقبل مظلم بغير الإيمان باليأس من الحال، ومادام هناك أمل بتغييره، فمعنى هذا الاستسلام لجرعة أفيون التعلق بالوهم الكاذب، لا تنظروا للنرويج ولا لكوريا الجنوبية، انظروا لليمن الحزين والصومال ودول جنوب الصحراء الإفريقية، وفكروا بالمجاعات التي تجتاحها اليوم، ولا أحد يكترث لها من دول العالم الغني. وحين نبدأ بمشروع القلق والخشية من القادم، حينها فقط نصحو من مخدر الريع ومشتقاته الاجتماعية، وتفتح لنا أبواب الأمل الحقيقي لغد أجمل لأجيالنا.