نحن أمام عرض لـ "مسرح العبث". العرض صار مكرراً وممجوجاً، فأولئك السياسيون يقولون الشيء وعكسه، فهم مع القضاء وضده، حسب القضية المطروحة، بل هم على استعداد للتشريع لذلك وتحويله من أقوال إلى نصوص مؤسسية أو الإبقاء عليها، كيفما اتفق.

آفة التشريع الاستعجال والتحيز وعدم التوازن والشخصانية، ولذلك تصدر عندنا تشريعات معيبة، مناقضة للدستور ومبادئه المستقرة. فكيف يتوافق صدور قانون، وعكسه، خلال فترة قصيرة جداً، وبمبررات متناقضة، ومن نفس الناس، والأمثلة على ذلك عديدة ومن المدى المنظور، كتخفيض سن الحدث إلى ١٦ سنة، والبصمة الوراثية، والإعلام الإلكتروني، خلافاً لقوانين تصدر ولا يتم تنفيذها لسنوات طويلة.

Ad

الخلل في العملية التشريعية فاضح ولا يحتاج الكثير من الجهد لإثباته. والحاجة لإصلاحه صارت ملحة، حيث يكلف فشل العملية التشريعية الكثير من الإرهاق والمال والوقت، خاصة عندما تتحول النزاعات إلى صراعات الكثير منها مفتعل ويفتقر للجدية، والمتابعة.

فلنأخذ قضية تعديلات الجنسية مثالاً. كل التعديلات المطروحة هي تفاصيل، آخذة للقبول والرفض، بعضها مستحق وبعضها ركيك، هزيل. وهي ليست المرة الأولى التي يعدل بها قانون الجنسية، الذي جرت عليه تعديلات كثيرة ومتنوعة. إلا أن الأهم في هذا الجدل البيزنطي هو أن الفرقاء المتبارزين يعلمون علم اليقين أن مشكلة الجنسية ليست في القانون، ولكن الممارسة، والتعامل معها على أنها هبة وليست حقاً، وعلى أنها منحة، يستطيع من منحها سحبها متى شاء، بحق أو ظلماً. كما يستطيع منحها لمن يشاء سواء كان مستحقاً أم غير ذلك. الغرق في التفاصيل والشخصانية لا يفترض أن يبعدنا عن المبدأ، وهو ضرورة تفعيل الحق في التقاضي كحق دستوري. فإلى من يلجأ إنسان تم سحب أو إسقاط جنسيته ظلماً؟ سؤال بسيط وإجابته البسيطة هي أنه يفترض في بلد يحكمه القانون المتوافق مع الدستور، وتفصل فيه السلطات أن يلجأ للقضاء المستقل النزيه، "الشامخ" كما يوصف أحياناً. إنها مسألة مبدأ، لا تحوير فيها، ولا يجوز أن يعلن البعض أن القضاء شامخ حين يوافقه، وليس كذلك عندما لا يتوافق معه.

التغيير في المجتمع الكويتي الريعي يتم بطريقة تدريجية، وعبر تغيرات جزئية في موازين القوى، ولذلك يكون التغيير بطيئاً، وليس ثورياً دون أن يمس بنية هيكل القوة التقليدي، وعلى ذلك أمثلة كثيرة، كانت من الممنوعات فتغيرت، مثل حقوق المرأة السياسية، وفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، والتي تمت في 2003 لأسباب صحية وليست سياسية، وتعديل الدوائر الانتخابية في 006، وتفعيل قانون توارث الإمارة في إطار أزمة الحكم في 2006.

دون الخوض في نوايا هذا الطرف أو ذاك، فإن تحقيق الحق في التقاضي، حتى لو كان في موضوعات السحب والإسقاط، مكسب للناس كافة، وليس فيه حماية لمزور أو مزدوج أو مدلس، أو متلاعب. وترسيخ الحق في التقاضي فيه مكسب للنظام السياسي، لا لشخص بعينه، ولا لقوى سياسية أو فئات اجتماعية بعينها.