بكل القيم الأخلاقية والسياسية والإنسانية، لابد من استنكار "ضربة" بطرسبرغ في روسيا وإدانتها، واعتبار منفذها مجرماً، واعتبارها عملية إرهابية مثلها مثل العمليات التي يقوم بها "داعش" و"القاعدة" وبقية التنظيمات الدموية – الإجرامية، ولا بد من النظر إليها من زاوية أنها مثلها مثل غيرها من هذه العمليات تسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف وتشوه صورته الناصعة وتثلم قيمه السمحة، حتى وإنْ ادعى مرتكبها أنه يدافع عن المسلمين، وأنه يثأر للذين بقيت تمزق أجسادهم وتثقب صدورهم شظايا قنابل طائرات الأسد ومن يسانده، على مدى الأعوام الستة الماضية.

ولا يمكن إلا التضامن مع الشعب الروسي الصديق فعلاً، واستنكار هذه الجريمة وإدانتها، فالعرب بصورة عامة لا يمكن أن ينسوا مواقف هذا الشعب النبيلة، وبخاصة في مرحلة الاتحاد السوفياتي الذي كان دائماً وأبداً داعماً ومؤيداً ومسانداً للقضايا العربية، وبخاصة قضية فلسطين... ولا يمكن أن ننسى أن الأسلحة التي خضنا بها معظم حروبنا مع إسرائيل كانت أسلحة سوفياتية، ثم إنه لا يمكن أن ننسى صولات وجولات ذلك الرجل العظيم أندريه غروميكو في الأمم المتحدة، وفي كل المحافل الدولية، دفاعاً عن العرب ومساندة لقضاياهم العادلة.

Ad

كما لا يمكن إنكار أن الجامعات والمعاهد السوفياتية قد خرّجت، ليس عشراف الألوف بل مئات الألوف من الطلبة العرب ومن معظم الأقطار العربية، ومعظمهم، بل ربما كلهم، من أبناء الفقراء و"الكادحين" والذين لو لم يكن هناك الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية لأصبح كل هؤلاء عبئاً على أهلهم وعلى دولهم وعلى مجتمعاتهم، وهذه مسائل يجب أن تقال الآن لأن حتى هذه الـ"روسيا الاتحادية" لا يمكن إنكار أنها واصلت تقديم بعض ما كان يقدمه رفاق المسيرة الاشتراكية.

وهكذا، في حين أن المفترض أن هذه العملية الإجرامية التي هزت هذه المدينة الجميلة "بطرسبرغ" قد أوجعت قلوب معظم العرب، إن لم يكن كلهم، كما أوجعت قلوب أصدقائنا الروس، فإننا ومن قبيل عتب الأصدقاء على أصدقائهم نتمنى لو أن روسيا بقيت بعيدة عسكرياً عما يجري في سورية، ولو أنها لم تنحز كل هذا الانحيار إلى جانب الظالم ضد المظلوم، فالشعب السوري كانت كل ذكرياته جميلة وبعضها لايزال عن تلك المرحلة التي امتدت من نهايات الخمسينيات وحتى بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وربما إلى بعد ذلك، عن تلك الفترة عندما كان الضباط الروس الأشاوس فعلا يرابطون في الخنادق الأمامية بهضبة الجولان.

والآن، وبينما أوجعت هذه العملية الإجرامية التي ضربت أجمل المدن الروسية قلوب معظم العرب إن لم يكن كلهم، فإننا ننتظر أن تكون هناك مراجعة من قبل أصدقائنا الروس لمواقفهم من الأزمة السورية، وبخاصة أن البقاء هو لله وللشعب السوري، وأن هذا النظام زائل لا محالة، فالتراجع عن الخطأ فضيلة، ويقيناً أن مصلحة روسيا، وريثة كل القيم الجميلة التي تركها الاتحاد السوفياتي، أن تكون إلى جانب شعب غدا منثوراً في أربع رياح الأرض كلاجئين، وبقي ينزف منذ عام 2011 وحتى الآن.

إن مصلحة روسيا هي أن تتراجع عن خطأ فادح ارتكبته... والمثل العربي يقول: "إن التراجع عن الخطأ فضيلة".