لا يتفق مؤيدو ترامب ومنتقدوه على مسائل كثيرة، إلا أن إحدى النقاط القليلة التي يجمِعون عليها لطالما كانت تغييره الجذري للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

وإذا نظرنا إلى ما وراء تغريدات ترامب وسوء إدارته البيروقراطية نلاحظ أن البنية التي يعتمدها ناجحة، فلم يمر سوى أشهر قليلة لنرى، في السياسات الفعلية، استمرارية أكثر منه تغييراً.

Ad

إذاً ما الذي حققه ترامب فعلاً؟ لعل الأهم عدم تقويض الصفقة الإيرانية، وفي الشأن الإسرائيلي أيضاً التزم ترامب بالتقاليد أكثر من المتوقَّع، وعلى غرار الإدارات السابقة التي أطلقت وعوداً مماثلة، تعهدت حملته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلا أن هذا التعهد لم يتحقق بعد، وعادت الولايات المتحدة وإسرائيل مرة أخرى إلى الجدال بشأن مستوطنات الضفة الغربية.

أما خطة ترامب السرية لإنزال الهزيمة بـ"داعش"، فتبيّن أنها تقوم عموماً، كما هو متوقَّع، على نسب الفضل لنفسه في مواصلته حملة الرئيس أوباما، صحيح أننا نشهد وتيرة متنامية في عمليات القصف وزيادة مقلقة في نشر الجنود الأميركيين على الأرض في سورية، غير أن أسس هذه الحرب لم تتبدّل.

لا شك أن ترامب عبّر عن حماسة أكبر للعمل مع الحكام العرب مقارنةً بأوباما، وتشير بعض التقارير إلى أن الإدارة الحالية أزالت قيود حقوق الإنسان المفروضة على عمليات بيع الأسلحة إلى البحرين والمملكة العربية السعودية، ودعت الرئيس المصري السيسي إلى البيت الأبيض، وقللت من أهمية حقوق الإنسان والديمقراطية في مجالات السياسة الخارجية كافةً، ولكن ما قد يكون أكثر تماشياً للأسف مع سياسة الولايات المتحدة التقليدية في الشرق الأوسط من دعم الحكام الحاليين باسم الاستقرار؟

يُعتبر خطاب ترامب بشأن المسلمين والإسلام واللاجئين مريعاً وفق كل المعايير، ومن المؤكد أنه سيحدث ضرراً دائماً في علاقات الولايات المتحدة مع المسلمين حول العالم، ولكن هنا أيضاً للبنية والمؤسسات أهمية كبرى، فاصطدم أمرا ترامب التنفيذيان المريعان كلاهما، اللذان حظرَا الهجرة من دول إسلامية محددة، بالكثير من المقاومة أوقفت المحاكم تطبيقهما، إلا أن ترامب تراجع أخيراً عن إعلان الإخوان المسلمين منظمةً إرهابيةً بعدما حذّرته وزارة الخارجية من التعقيدات المترتبة على ذلك.

من الطبيعي أن يعيش مجتمع الشؤون الخارجية حالة من الغضب الدائم بسبب مناورات فريق ترامب غير المدروسة وميله إلى التصريحات الصادمة، ومن المبرر أن يقف الدبلوماسيون الأجانب حائرين أمام رئيس يعين صهره في مناصب سياسية بارزة وينشر تغريدات عن "سنوب دوغ"، لكن سياسة ترامب الفعلية في الشرق الأوسط ما زالت حتى اليوم تقليدية على نحو غريب، فقد اكتفى عموماً بإدارة سياسة أوباما في الشرق الأوسط بأسلوب أكثر خشونة وعدائية.

لا يعني ذلك أنه ما من سبب للقلق بشأن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، إذ سبق أن سببت مقاربة ترامب إلى الإسلام ضرراً كبيراً، كذلك تولّد تغريداته غير المتزنة، وسياساته العدائية، والفوضى التي تعم البيت الأبيض في عهده عدم الاستقرار وتولّد كذلك أزمات محتملة.

لكن الخطر الأكبر ما زال ينبع حتى اليوم من قدرة إدراةٍ لم تُختبر بعد وتفتقر إلى الموظفين على التفاعل مع أزمة مفاجئة، فعلى سبيل المثال قد تتفاقم عملية التصدي لإيران في اليمن فجأةً، كذلك قد نشهد اعتداء ناجحاً ضد جنود أميركيين في العراق أو سورية، ومن الممكن أيضاً أن تنشب بسهولة انتفاضة شعبية ضخمة في واحدة أو عدد من الدول المستبدة التي عزز ترامب دعمه لها، وقد تنجر إسرائيل مرة أخرى إلى حرب مع حزب الله أو حماس، ومن الممكن أيضاً أن تنهار السلطة الفلسطينية، ولا شك أن التفاعل مع هذا النوع من الأحداث المضطربة (أزمات تواجه كل رئيس أميركي) هو ما سيكشف عن نوايا ترامب الحقيقية وقدراته في الشرق الأوسط، ولكن رغم الضجيج الذي أُثير، لا تزال سياسة ترامب في الشرق الأوسط حتى اليوم طبيعية على نحو مذهل.

* مارك لينش - Marc Lynch