يُدرك بعض المهرجانات أن «جمهور السينما هو وَقودها وحطبها وقطرانها»، ويعوّل على حضوره كثيراً كشرط وأساس للنجاح، والبقاء والاستمرارية. والجمهور المقصود هنا ليس «جمهور الدعوات المجانية» أو تلك الفئة من «أصحاب الياقات المنشاة»، وإنما الجمهور العاشق للسينما، الذي يُنفق جزءاً من قوته، ووقته، لمتابعة ما يُستجد على الساحة، والتواصل مع أحدث المدارس، والاتجاهات، السينمائية، الإقليمية والعالمية.

من هنا اتجه بعض المهرجانات إلى تدشين جائزة خاصة لأفضل فيلم، تحمل اسم «جائزة الجمهور»، كونه يملك وحده قرار ذهابها إلى فيلم دون الآخر، من دون أي تدخل من إدارة المهرجان، التي تكتفي بتنظيم إجراءات الاستفتاء ثم تتولى حصر الأصوات التي يُدلي بها الجمهور في استمارة صغيرة توزّع قبل عرض الفيلم المُشارك في المسابقة الرسمية، وتُجمع بعد انتهاء العرض تمهيداً لرصدها، والوصول من خلالها إلى النتيجة النهائية التي تُعلن في حفلة توزيع الجوائز.

Ad

هنا أتذكر الضجة الكبيرة التي أثارها فيلم «البداية» سيناريو لينين الرملي وحواره، قصة وسيناريو صلاح أبو سيف وإخراجه، في أعقاب فوزه بعصا تشارلي تشابلن الذهبية كأحسن فيلم كوميدي في رأي الجمهور في مهرجان فيفاي بسويسرا عام 1987. اكتسبت الجائزة مكانة كبيرة، وتناقلت وكالات الأنباء الخبر على نطاق واسع، وتعاملت مع «جائزة الجمهور» باهتمام يُضاهي ذلك الذي تنظر به إلى «الجائزة الكبرى»، ويتكرر الأمر مع كل دورة جديدة لـ«مهرجان دبي السينمائي الدولي»، الذي يخصص «جائزة الجمهور» للفيلم الروائي الطويل الذي يحصل على أعلى نسبة تصويت من جمهور المهرجان، وازدادت أهمية الجائزة بعدما تولى أحد البنوك الوطنية في دولة الإمارات رعايتها، ورصد قيمة مالية للفائز بها، مثلما حدث مع فيلمي «يا طير الطاير» إخراج هاني أبو أسعد و«أعمق المشاعر» إخراج ميشيل بو جناح.

ما أريد قوله إن ثمة قواعد وشروطاً ومعايير ينبغي أن تحكم «جائزة الجمهور»، على رأسها نوعية الفيلم الذي تذهب إليه (روائي طويل/ روائي قصير/ تسجيلي .. إلخ) وموقعه في المهرجان (مُشارك في المسابقة/ كل الأفلام المعروضة من دون استثناء) ثم تأتي الإجراءات التي تنظم الاستفتاء، بداية من الاستمارة الورقية التي تحمل اسم الفيلم بالإضافة إلى درجات التقييم، التي يضعها الجمهور، وصولاً إلى حصر الاستمارات، وتصفية الأصوات والدرجات تمهيداً لإعلان النتائج التي لا يمكن التشكيك فيها، نظراً إلى توافر عناصر رئيسة مهمة، كالشفافية والموضوعية والنزاهة واعتماد القواعد المُعلنة التي لا ينبغي الخروج عنها أو تجاوزها بأي حال!

كانت مفاجأة بالمقاييس كافة أن تدشّن إدارة «مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية» جائزة جديدة، في الدورة السادسة (16 – 22 مارس 2017)، باسم «جائزة الجمهور»، ذهبت إلى الفيلم الجزائري القصير «قنديل البحر» والفيلم المصري الطويل «مولانا»، وتُعلن أن الجائزتين مُنحتا باختيار الجمهور، رغم أن استمارة واحدة لم توزّع على مرتادي صالات العروض، وواحداً من الجمهور لم يُصوت لأي فيلم من الأفلام، ولم تُعرف القواعد والمعايير التي تُمنح «جائزة الجمهور» على أساسها، ما يثير الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي أدت إلى إعلان جائزتي «قنديل البحر» و«مولانا»، ويبرر ما قيل حول وجود شبهة مجاملة وراء تدشين «جائزة الجمهور»، في الدورة السادسة، بشكل مفاجئ، ومن دون ترتيب أو إعلان مُسبق. يتطلب ذلك العمل منذ هذه اللحظة على الإعداد الدقيق والصارم في حال التشبث باستمرار منح «جائزة الجمهور» في الدورة السابعة، إذ ينبغي الإعلان بشكل مُسبق عما إذا كانت ستذهبإلى الفيلم الروائي الطويل أو القصير أو إليهما معاً، كما حدث في الدورة السادسة، ووضع قواعد منظمة للجائزة، وطبع استمارات التصويت بشكل مبكر، والحرص على توزيعها، ووصولها إلى الجمهور قبل عرض الفيلم. وليتها تحظى باهتمام وعناية أحد الرعاة كي تكتسب ثقلاً، وتصبح بمثابة نقطة جذب لأصحاب الأفلام.. ومنتجيها على حد سواء!