كنت أعتقد أن العلاقة بين العرب والأحباش بدأت عندما دعا رسول الله، عليه الصلاة والسلام، أصحابه إلى الهجرة إلى الحبشة في رجب من السنة الخامسة من البعثة النبوية (615م)، إلا أنني فيما بعد فوجئت بأن العلاقة بدأت قبل الميلاد، وتحديداً عندما هاجرت جماعات عربية من اليمن إلى الحبشة في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، واستوطنت فيها واختلطت مع السكان المحليين، وتزاوجت معهم حتى اختلطت الأنساب، وظهر اسم "الحبشة" الذي ينسب، وفق بعض المصادر، إلى قبيلة "حَبْشَتْ" العربية.وتوجد كتابات كثيرة تتحدث عن النصارى واليهود في اليمن، وتشير إلى العلاقات بين العرب والأحباش منذ ما قبل قصة الاحتلال الإثيوبي لليمن، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد استقرت مجموعة من هذه الجماعات العربية في الجزء الشمالي من الهضبة الإثيوبية في جبال "عدوة" شرق إقليم "تجراي"، وامتزجت بما يعرف بـ "حضارة اكسوم"، التي تعاقب عليها ملوك من الأسرة "السليمانية" قروناً طويلة لا يمكن تحديدها بدقة.وأقصد بالأسرة السليمانية الأسرة التي ينتهي نسبها إلى النبي سليمان بن داود، عليهما السلام، حسب ما يعتقد به كثير من الإثيوبيين، إذ إنهم يرون أن الملكة بلقيس تزوجت من سليمان عندما زارته بعد أن دعاها للقدوم إلى القدس وحملت منه، ثم أنجبت "منليك الأول" بعد عودتها إلى الحبشة أو سبأ (اللتين كانتا مملكة واحدة في ذلك الزمان على الأغلب)، وأصبح "منليك" ملكاً على الحبشة بعد ذلك، وزار أباه في القدس مرة واحدة وتعرّف عليه سليمان. ولم تتفق المصادر العربية على نسب بلقيس، إلا أن "ابن خلدون" في مقدمته المشهورة يقول إنها بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذي الأذعار (ذو الصرح)، وهي من نسل سبأ (Sheba) الذي أنجب "حِمْيَر" والتبابعة (قوم تبّع)، وأشهرهم "تبّان أسعد أبوكرب" الذي استطاع أن يغزو العراق وفارس والروم والترك والصين، وترك بالصين قوماً من "حِمْيَر" يعيشون بها إلى هذا الوقت.أما الطبري في تاريخه الموسع فإنه يقول إنها "يلقمة بنت الشرح بن الحرث" (من التبابعة). ويذكر كتاب "كبره نجست" ويعني (أمجاد الملوك)، وهو عبارة عن روايات كتبت في القرن السادس الميلادي وترجمت إلى الإنكليزية ولغات أخرى في القرن التاسع عشر، أن الأسرة السليمانية تولت الحكم في الحبشة فترات طويلة ثم أزيلت من الحكم، لكنها عادت في القرن الثالث عشر الميلادي، واستمرت إلى نهاية عهد الإمبراطور "هيلاسيلاسي" في عام 1974. أما كتاب "تاريخ ملوك إثيوبيا" فإنه يؤكد أن الذين توارثوا عرش "اكسوم" بعد منليك الأول يصل عددهم إلى 25 ملكاً فترة امتدت إلى عشرة قرون، آخرهم "بازن" الذي قيل إن المسيح، عليه السلام، ولد في عهده. ومما يعكس إيمان الإثيوبيين الراسخ بوجود الأسرة السليمانية في إثيوبيا تثبيت ذلك في دستور البلاد عام 1931، حيث نصت المادة الثالثة منه على أن "حق الحكم الإمبراطوري في أسرة الإمبراطور هيلاسلاسي الأول الذي يتصل نسبه من دون انقطاع بأسرة منليك الأول ابن الملك سليمان وملكة سبأ المعروفة".وعندما تم وضع دستور منقح لإثيوبيا عام 1955، أعيدت صياغة هذه المادة في الدستور الجديد، فنصت مادته الثانية على أن "يظل العرش بصفة دائمة محصوراً في نسل هيلاسلاسي الذي هو من دون توقف من نسل أسرة منليك الأول ابن ملكة إثيوبيا / ملكة سبأ، من سليمان ملك بيت المقدس".
أخر كلام
صورة لها تاريخ : «بلقيس» حكمت سبأ والحبشة وأحفادها ملكوا إثيوبيا
07-04-2017