كلنا ذكور!
لأننا مجتمع ذكوري حتى النخاع تحولت عقول النساء فيه إلى عقول مبرمجة ذكورياً لتتماشى مع غلاظة المعطيات والمخرجات والتعاملات الحياتية اليومية، وصار لزاماً اليوم على كل امرأة أن تصبح قوية جداً لتتحمل على الأقل رفع أثقال التفكير المجتمعي المحيط بها.ما عادت تلك الصورة الصامتة المطيعة للأوامر، رغم ظلمها، موجودة، فلن تعيش تلك المرأة أصلاً في ظل الزخم الذكوري الساحق! وصار عليها أن تواجه مصاعب الحياة والضغوط بمفردها، ولن يسعها الوقت أصلا لانتظار من يدافع عنها، وذلك لأننا- نحن النساء- من ساهم في تربية عقول ذكورية بحتة لا تقبل التغيير ولا التطور، ونحن من ربى وأنشأ عقولاً صارمة فانقلبت الصرامة على مربيها وصانعيها. ومع ذلك نحن أيضاً من يشير بسبابته ويلقي اللوم على جنسه، فكل خطأ وتقصير يرتكبه "سي السيد" هو حتماً من المرأة وبسببها! كما نحلل دائما في مجالس "شاي الضحى"، وكما تظن الكثيرات من الأمهات والنساء عموما، وفي المقابل متى ما صارت المرأة قوية ذات مركز وسيدة مجتمع صار الحديث واللوم موجهين إلى الولي الغائب عنها، بالله كيف يتركها تصل؟
هكذا نفكر وهذا أيضاً إرث نتاجنا المتأصل فينا، رغم كرهنا للضغط الملقى علينا، نحن من يزيده حملاً بظلمنا لأنفسنا أكثر، وللأسف ليس الرجال من خلق هذا الإرث التفكيري في المجتمع، إنما النساء أنفسهن هن المربيات وهن أكثر الناس ظلماً للمرأة كما أؤمن بشدة.في سياق الحديث عن الظلم أخبرتني صديقة لي عن أخرى أعرفها ضربها زوجها فـشج رأسها مما اضطرها للغياب عن العمل مدة أسبوعين، وفي أثناء هولي لسماع القصة وغضبي الشديد التلقائي وانفعالي أكملت القصة قائلة: "الآن هي بخير ورجعت له"!تمنيت لوهلة أن أشج رأسها بنفسي مرة أخرى على رجوعها لزوجها الظالم، أزعجني جداً ضعفها وخنوعها المستفز، لدرجة أنني لا أود سماع التكملة، فأردفت صديقة أخرى كانت معنا قائلة "أكيد مسوية شي"!! نسيت بسرعة انفعالي على الظلم وسرحت بعيداً جداً في البرمجة الظالمة المقيتة المعشعشة في عقول الكثيرات للأسف.كيف للمرأة أن يصبح تفكيرها ذكورياً ويرخص للذكور كل التصرفات، ويصنع من النسوة شمعداناً ومتهماً أول لأي ردة فعل بلا استثناء؟ هنا فقط يتحول الفكر إلى جريمة شنعاء لا ينفع معها لا الحد ولا القصاص، هنا نصل إلى حقيقة أن العلّة تكمن في العقول لا المجتمع، وأخطر السموم تلك التي تنفث في الفكر، فلا مناص من عقولٍ تورث الوباء لمن حولها دون وعي.