اطلع الوفد الكويتي على إمكانات الشركات السعودية في مجال السياحة، وأثناء زيارة الوفد الإعلامي الكويتي للملتقى، كان على موعد لاكتشاف مبادرات فنية ومجتمعية من نوع خاص، حيث كان الموعد الأول مع سلوى القنيبط (منظمة رحلات سياحية)، التي تعد أول امرأة سعودية تعمل في مجال السياحة مرشدة للسياحة الداخلية في المملكة.تقول القنيبط: "قبل عملي في مجال السياحة كنت موظفة في مصلحة الإحصاءات العامة نحو 20 سنة، ولهذا أنا دقيقة في الأرقام، فأنا خريجة حاسب آلي مبرمج في علوم الكمبيوتر من معهد الإدارة العامة، وأم لثلاثة أولاد، وتقاعدت، ثم أحببت أن أقوم بشيء مفيد بدلا من الجلوس في البيت، ووجدت في السياحة شغفا وخضت التجربة، خاصة أنني من محبي الرحلات والاطلاع والسفر، وتدرجت في رحلات الى الدرعية والمصمك والأشياء البسيطة، ثم بدأت في ترخيص مكتب، والآن أشعر بأنني أكثر احترافية من خلال "هيا للرحلات"، وحان الوقت لننهض بحضارة وتراث بلادنا، والتمسك به بقوة، لأن لدينا عالما جميلا في السعودية".
وتستطرد: "نحن نعمل على رحلات سياحية مع الأجانب منذ 7 سنوات دون السعوديين، لأن الأجانب يحبون الاكتشاف، وعلينا كسعوديين النظر بإيجابية الى بلدنا في شأن السياحة والترفيه بشكل مجرد، دون إسقاطات نفسية، كما يفعل الأجانب".ولفتت إلى أن شيئا غريبا حدث بعد حديث الملك سلمان عن الرؤية 2030، وتغيرت نظرة السعوديين بشأن السياحة وشعرنا بالتغيير، مما خلق مزاجا عاما عند الشعب لاكتشاف وتشجيع السياحة داخليا.وتقول إن الدعم متوافر من الدولة بمنحي الترخيص والمشروعية، لكننا إلى نحتاج إلى مزيد من تشجيع المواطنين على الخوض في التنظيم اللوجيستي للسائح الذي ينظم له تفاصيل الإقامة من نوعية الفندق الملائم، وحجز حافلة ومواصلات وتوفير مرشد ووجبات بجودة عالية ومكان جميل للتنزه، وهذا هو دور المنظم السياحي عبر التعليم والأساتذة، وإنزال الطلبة في "الميدان يا حميدان"، بدلا من تثقيفهم على العمل المكتبي في الأجهزة الحكومية، لأننا كمواطنين نعمل في منافسة مع وكالات سياحة دولية وإقليمية تبيع حزمة السكن والمواصلات والتذكرة، دون تركيز على إمتاع السائح وخلق علاقة تربطه مع السعودية كبلد جميل وغني بالتراث.أما الدعم المالي من الدولة، فلسنا بحاجة إليه، فالرزق من خلال السياحة موجود، لأن لدينا حوالي 10 ملايين أجنبي يعملون داخل السعودية، وهذا قطاع واسع يحتاج الى خطة لترفيهه، لافتة إلى أنه من المعيب في قطاع السياحة أنه قطاع خدمي موسمي وساعات عمله طويلة، لكن جماله وعطاءه من تبادل الخبرات لا يقدران بثمن.
المملكة ليست مولات وأبراجاً فقط
وأضافت: نتطلع إلى أن نخلق مع المجتمع الكويتي شيئا من التحسين لصورة ورؤية السياحة داخل السعودية، فلا يعقل أن يأتي كويتي ويجلس فقط في الأبراج التجارية والفنادق ويتسوق، هذا أمر غير مقبول، لأن الرياض ومختلف مدن السعودية ليست مكانا للتسوق فقط، بل هي تراث تاريخي جميل، ولا ينتظر أن يذهب السائح بعد العبادة والصلاة في مكة والمدينة في قرى تاريخية يتعرف فيها على التاريخ والتراث، ويترك بصمة بالصلاة في أكثر من مكان جميل، وهذا هو إيماني، موضحة أن المشكلة أن السائح يأتينا بتأطير من وكالات السياحة متضمنا السكن والتذاكر فقط، دون أن يكون للمنظم السعودي دور في ذلك.وبالرغم من الفاقد من الآثار التي اندثرت فإن جهود هيئة السياحة ولجان التنمية والأعمال والمحافظات بدأت تلفت الأنظار نحو السياحة والتنقيب عن الآثار وتطويرها وتحويلها إلى مواقع سياحية جمالية مثل نموذج الدرعية المدينة التاريخية للمملكة قاطبة، وكذلك لدينا جهود على شقرا والمجمع والغاط، لكن تواصل المجتمعات المحلية مازال ضعيفا معها، والسائح الذي يأتي الى السعودية يتجه نحو المواقع الرئيسة في المدن الكبيرة، ولا يخطو خطوة الى النواحي الجانبية.القصيم وحائل
وأضافت: مناطق القصيم وحائل عملت بشكل احترافي وديناميكي في إشراك المجتمع المحلي في السياحة المحلية، والناس تشترك في الفعاليات هناك، لكن التعليم مغيب عن هذا القطاع المهم الذي من الممكن تشغيله طوال العام، ومع الأسف التعليم لا يخدم قطاع السياحة لتعزيزه كمفهوم تعليمي وتشغيل منظم طوال العام.ولا تؤثر ميزانية سياحة الفرد السعودية حين يقضي إجازته في الخارج، فقد يصرف 5 أو 10 آلاف ريال بكرم ومن دون أي معايير، لكنه يسأل ماذا ولماذا، ويرى الغلاء حين تدعوه إلى دفع مبالغ في سياحته الداخلية، مماثل لما يدفع في الخارج، ويقرر أن يقود سيارته بنفسه ويستأجر شقة من معارفه داخل السعودية، لأن مفهوم السياحة لديه مغلوط، وأعتقد أننا لو ناقشناه وثقفناه لاقتنع بالسياحة الداخلية المنظمة.إشراك الطالبات في السياحة
قال الباحث د. ماجد المهنا: "نحن نشرك طالبات قسم الآثار في بعض الفعاليات الخاصة بالآثار، ومع الأسف مازالت المجالات التي يشركون فيها قليلة، ونحن نحاول زيادتها قدر المستطاع، وكثير من السعوديات أثبتن جدارتهن في مجال السياحة والآثار، ويملكن الآن مؤسسات تعمل في السياحة والسفر، وهذا يساعدنا لإشراك الطالبات بالعمل معهن واستخلاص النجاح والإلهام منهن بكل حماس وتحفيز"، مشيراً إلى أن الطالبات لهن مشرفة خاصة بشأن النشاط الطلابي التخصصي، ووضعهن جميل وحسن، ونحن نعول على زيادة مشاركاتهن في الفعاليات.وأكد أن جامعة الملك سعود وكلية الآثار تعملان على تأسيس قسم الإدارة السياحية للطالبات ومازالت عملية الدراسة والبحث جارية لإعداد صحيفة التخرج لمقررات التخصص، وهذا الأمر من شأنه أن ينهض بولادة جيل جديد من المرشدات والمنظمات السعوديات في مجال السياحة والسفر والتراث الوطني.
المهنا: نحرص على خلق بيئة عمل للطلبة في الكلية
خلال التجوال في الملتقى كان الوفد الإعلامي على موعد للقاء الباحث د. ماجد المهنا، وهو محاضر ومسؤول علاقات عامة في قسم الإدارة السياحية والفندقية في جامعة الملك سعود، "حيث أجرينا معه حواراً يتعلق بالطلبة والتحديات في مجال السياحة، التي من المفترض أن تواجههم بعد التخرج".وقال المهنا إن الكلية أحياناً تقيم بعض الأنشطة ذات الصلة بالسياحة والآثار ونشرك الطلبة في تنظيمها، مضيفاً أن "غايتنا إدخال طلاب كلية السياحة والآثار في بيئة العمل السياحي المتخصص، بالتالي نخلق حالة ود بين قطاعات صناعة السياحة وطلبة السياحة والآثار".وتابع: "لدينا بعض الطلاب ممن يدخلون إلى الكلية بهدف العمل بعد التخرج في مواقع تمنحهم عوائد عالية وحوافز مميزة، دون رغبة وحب لتخصصات الكلية، ومن خلال النشاط الطلابي لكلية السياحة نعمل على زرع الشغف عند الطالب في مجالات السياحة والآثار ونعرفهم بالمجال الذي هم منخرطون فيه، عبر تنظيم رحلات لهم إلى مواقع تراثية جميلة ومميزة في المملكة ليكونوا شركاء على أرض الواقع ويعملون مع الجهات المعنية في الحفاظ على التراث سواء الحكومية أو الخاصة، حيث يشاركون في تنظيم الفعاليات كمتطوعين ومشاركين في التطوير".
معرض عواطف القنيبط أيقونة الرسامين السعوديين
لم تنته الرحلة السياحية مع سلوى القنيبط، حيث وعدتنا أن نلقي نظرة على جانب تجهله الكثير من وسائل الإعلام الخليجية والمحلية على حد سواء، وهو الجانب الفني في المملكة العربية السعودية، حيث أوصلتنا إلى معرض د. عواطف، وهي فنانة تشكيلية تهتم بالخزف والرسم عليه، وتدير معرضاً للرسومات والمنحوتات الفنية.وتقول د. عواطف القنيبط، إن الحركة الفنية في السعودية عانت جداً عدم الاهتمام الرسمي وتقبل المجتمع لهذا النوع من الفن، ما استدعى قلة من الفنانين للاعتماد على المجهودات الشخصية، فقد قمنا بإنشاء معرض خاص غير ربحي لعرض أعمال الفنانين السعوديين الشباب في منزلها.وتضيف القنيبط أن هذا النوع من المعارض الخاصة يلقى إقبالا من المهتمين بالشأن الفني في العاصمة السعودية الرياض، حيث تنظم القنيبط شهرياً معرضاً لفنان واحد فقط وتتيح له فرصة بيع أعماله الفنية على متذوقي هذا النوع من الفن.تسرد لنا عواطف القنيبط كيف بدأ الفنان السعودي سعد العبيد الذي يلقب بأبي الفنانين السعوديين بإنشاء أول معرض خاص لعرض الأعمال الفنية في منزله، والذي افتتحه وزير الثقافة والفنون السعودي آنذاك وما شكله من إلهام وتحفيز لبقية المهتمين والارتقاء بالشأن الفني حسب الجهود الشخصية.وتابعت أن "إصرارنا كفنانين سعوديين على المضي قدماً إنما ينبع من الشعور بالمسؤولية المجتمعية وللارتقاء بالفنون التشكيلية واللوحات الفنية التي أصبحت تغزو الأسواق المحلية من الصين والبلدان الأخرى، وما تشكله من عائق فني وتشويه للذوق العام، حيث تكون تلك الأعمال مجرد مطبوعات لا تنتمي للبيئة ولا للثقافة العربية والسعودية على وجه الخصوص، مؤكدة أن الفنان لابد أن تكون لديه رسالة هادفة تجاه مجتمعه. وأوضحت أن المجتمع السعودي زاخر بالتنوع الفني، الذي يتيح له مجالا أوسع للإبداع، وذلك لأن المملكة تحتوي على ثقافات مختلفة، وبالتالي تعتبر هذه ميزة كبيرة يجب أن يستغلها الفنان ويوظفها في أعماله، وهذا ما نشجع عليه نحن، ولذلك قمت بإنشاء هذا المعرض كغيري من الفنانين لاحتواء الشباب المبدع ولدعم المواهب السعودية.