في أكبر تطور تشهده سورية منذ بدء الحرب الأهلية قبل 6 سنوات، نفذ الجيش الأميركي بأمر من الرئيس دونالد ترامب فجر أمس ضربة صاروخية استهدفت قاعدة جوية عسكرية للنظام السوري، وذلك رداً على «هجوم كيماوي» اتهمت واشنطن النظام السوري بتنفيذه على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب، وأسفر عن مقتل 100 مدني ثلثهم أطفال اختناقاً وأكثر من 400 مصاب.

وأطلق الجيش الأميركي فجر أمس بالتوقيت المحلي، وليل الخميس بالتوقيت الأميركي، 59 صاروخاً عابراً من طراز «توماهوك» استهدفت مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص وسط سورية.

Ad

ووجه ترامب خطاباً إلى الأمة الأميركية نقلته شاشات التلفزة مباشرة من منزله في فلوريدا، قال فيه: «الثلاثاء، شن الدكتاتور السوري بشار الأسد هجوماً مروعا بأسلحة كيماوية على مدنيين أبرياء». وأضاف: «باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة».

وتابع ترامب: «الليلة أمرت بتنفيذ ضربة عسكرية محددة الهدف في سورية على المطار الذي شن منه الهجوم الكيماوي. وإنه من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة».

ودعا ترامب «كل الدول المتحضرة إلى الانضمام إلينا في السعي إلى إنهاء المجزرة وسفك الدماء في سورية والقضاء على الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله».

رد وردع

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الضربة العسكرية تنحصر بالرد على «الهجوم الكيماوي» في خان شيخون، مؤكدة أن الولايات المتحدة أبلغت روسيا، حليفة الأسد، مسبقاً بالضربة.

وأوضح المتحدث باسمها الكابتن جيف ديفيس أن الهدف هو «ردع النظام عن القيام بذلك (الهجوم الكيماوي) مجدداً، ونأمل أن ننجح في ذلك».

وألمح ديفيس إلى أن العملية العسكرية «ليست جزءاً من عملية أكبر، ولكنها رد يتناسب» مع هجوم خان شيخون، مشيراً إلى أنه «سيعود للنظام أن يقرر ما إذا كانت ستكون هناك ضربات أخرى، لأن ذلك سيتقرر بناء على تصرفاته».

وقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون، إن الضربة الصاروخية دليل على استعداد الرئيس الأميركي للتحرك عندما تقوم دول «بتجاوز الخط»، معتبراً أن موسكو فشلت في تحمل مسؤولياتها في سورية.

ووفق مسؤولين أميركيين، فإن المطار مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري و»متصل مباشرة» بالأحداث «الرهيبة» التي حصلت صباح الثلاثاء الماضي في خان شيخون في محافظة إدلب، مؤكدين أن القصف ألحق «أضراراً كبيرة» بالمطار و»دمّر طائرات» وبنية تحتية فيه، ما من شأنه أن «يقلل من قدرة الحكومة السورية على شن ضربات».

إخطار

وفي حين شدد المسؤولون على أن الإدارة الأميركية لم تسع إلى نيل موافقة موسكو، أكدوا أنه تم إخطار القوات الروسية بأمر الضربات الصاروخية قبل حدوثها، وإنهم حرصوا على تفادي إصابة جنود روس في القاعدة، مبينين أنه لم تقع ضربات على أجزاء من القاعدة كان جنود روس موجودين فيها.

وذكر المسؤولون الأميركيون أن سفينتين حربيتين أميركيتين أطلقتا 59 صاروخاً من شرق البحر المتوسط، حيث توجد المدمرتان «يو إس إس بورتر» و»يو إس إس روس»، على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لقوات الأسد رداً على الهجوم بالغاز السام على خان شيخون، مستهدفة بشكل أساسي «حظائر الطيران»، ومخازن الوقود والذخائر وقواعد دفاع جوي، ورادارات.

وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن من جهته أنه «دمر بشكل شبه كامل»، مشيراً إلى مقتل سبعة عسكريين في آخر حصيلة للضربة الأميركية.

وهذا أعنف تحرك أميركي مباشر حتى الآن في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ست سنوات في خطوة تضع ترامب في مواجهة أكبر أزمة تتعلق بالسياسة الخارجية منذ تنصيبه في 20 يناير وتزيد خطر حدوث مواجهة مع روسيا وإيران أهم داعمين عسكريين للأسد.

ولتجنب ضربة أكثر شمولية رداً على الهجوم بغاز السارين استهدف منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، في 21 أغسطس 2013 وتسبب في مقتل 1400 مدني، وافقت حكومة الأسد على تفكيك ترسانتها الكيماوية، بعد اتفاق روسي- أميركي ونقلها أو تدميرها بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

أهداف الصواريخ

في المقابل، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية أن 23 صاروخاً مجنحاً فقط أطلقت من المدمرتين الأميركيتين في مياه جزيرة كريت بالبحر الأبيض المتوسط، أصابت قاعدة الشعيرات، ولا يعلم أين سقطت الـ36 صاروخاً الأخرى، مشيراً إلى أن السلطات السورية تجري عمليات بحث للوصول إلى مواقعها، والضحايا المدنيين المحتملين.

وأوضح كوناشينكوف أن الضربات الأساسية وقعت في محيط القاعدة الجوية وعلى مسافة 150— 200 متر عن مدرج الطيران ودمرت الرادار ومنطقة تناول الطعام، وبناء تعليمي، إضافة إلى 6 طائرات من طراز «ميغ 23»، مؤكداً أنها ليس لها تأثير عسكري قوي.

وذكر كوناشينكوف أن الضربات قتلت جنديين سوريين، في حين قتل 4 وأصيب 6 بحروق خلال إطفاء الحرائق، لافتاً إلى أنه من الواضح أن ضرب القاعدة الجوية السورية تم الإعداد له منذ زمن بعيد، وأن مسلحي المعارضة هاجموا مواقع للجيش السوري فور الهجوم الصاروخي.

وبحسب مصدر عسكري سوري في مطار الشعيرات، فإن القصف أسفر عن «تدمير 12 طائرة من نوع سوخوي وميج ومروحية بالكامل كما تعرض المطار لتدمير كبير ومنها حظائر الطائرات، إضافة إلى مدرجين وخروج عن الخدمة بالكامل».

وفي مدينة حمص، شيع من المشفى العسكري على أطراف حي الوعر جثامين ستة من عناصر القوات الحكومية، بينهم ضابط برتبة عقيد واثنان آخران برتبة ملازم إضافة إلى ثلاثة جنود قتلوا خلال القصف، كما أصيب ستة بجروح».

تدمير طائرات

بدوره، عرض التلفزيون الروسي صوراً للقاعدة المستهدفة تظهر أن تسع طائرات تابعة لسلاح الجو السوري دمرت في الضربة الأميركية، وطائرتين على الأقل لا تزالان سالمتين في المرآب المصنوع من الإسمنت المسلح، بينما غطت الأرض قطع من الصفائح المعدنية وحطام غير محدد.

وأظهرت الصور أيضا المدرج، الذي بات أسود اللون نتيجة القصف، لكنه لا يزال سليماً قبل أن تعرض القناة صورة إلى فجوة أحدثتها قذيفة في الأرض.

وأكدت القيادة العامة للجيش السوري، في بيان، أمس، أن الولايات المتحدة أقدمت «عند الساعة 03.42 فجر اليوم (00.42 ت غ) على ارتكاب عدوان سافر استهدف إحدى قواعدنا الجوية في المنطقة الوسطى بعدد من الصواريخ»، مما أدى إلى «ارتقاء ستة شهداء وسقوط عدد من الجرحى وإحداث أضرار مادية كبيرة».

وقال المتحدث العسكري إن «هذا العدوان الأميركي المدان» يقوض «عملية مكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش العربي السوري»، و»يجعل الولايات المتحدة الأميركية شريكاً لداعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية».

«توماهوك» الذي دُشن خلال تحرير الكويت

تعتبر صواريخ «توماهوك»، بمنزلة طائرة صغيرة غير مأهولة، قادرة على ضرب الأهداف بدقة متناهية، ويقتصر استخدامها على البحرية الأميركية والبريطانية فقط، وفيما يلي أبرز مميزاته:

• يطير بمستوى منخفض، بحيث لا يمكن لأجهزة الرادار رصده.

• تجري برمجته لضرب الأهداف المعنية قبيل إطلاقه، إلا أن النسخة الحديثة منه تتيح إعادة برمجته أثناء طيرانه بعد إطلاقه.

• طوله 18 قدما، مزود بأجنحة يبلغ طول الجناح 9 أقدام، ويمكنه الطيران لمسافة من 805 إلى 1600 كيلومتر، بسرعة تصل إلى 880 كيلومترا في الساعة.

• جرى تطويره في فترة سبعينيات القرن الماضي، واستخدمته الولايات المتحدة للمرة الأولى أثناء عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت عام 1991.

• وضعت هذه الصواريخ في نسختها الأولى عام 1983 وتصنعها شركتا جنرال موتورز ورايثون- ماك دونالد دوغلاس.

• يتراوح سعر الصاروخ الواحد بين نصف مليون ومليونين ونصف المليون دولار.

القدرات الأميركية العسكرية حول سورية

تنشر الولايات المتحدة قدرات عسكرية قوية في محيط سورية تشمل:

• 35 ألف عسكري تابعين لقيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط.

• 900 مستشار عسكري وعناصر من القوات الخاصة ومن سلاح المدفعية شمال شرق سورية.

• مدرج لهبوط الطائرات في كوباني قرب الحدود التركية لاستقبال طائرات شحن أميركية من طراز «سي-17»، قادرة على نقل عربات مدرعة.

• أكثر من 5 آلاف عسكري في العراق.

• المدمرتان «يو إس إس بورتر» و»يو إس إس روس» وسفينة النقل «يو إس إس ميزا فيردي» في شرق البحر المتوسط.

• بواخر من الأسطول الخامس، الذي يتخذ من البحرين مقراً، في مياه الخليج أو في مياه البحر الأحمر.

• حاملة الطائرات «جورج إتش. دبليو. بوش» حالياً في مياه الخليج، في مهمة دعم للعمليات الجارية ضد تنظيم «داعش».

• بوارج من الأسطول السادس موجودة في نابولي بإيطاليا.

• قاعدة «إنجرليك» جنوب تركيا.

• قواعد في الأردن.

• قواعد جوية كبيرة في الكويت وقطر والإمارات.

• نخبة قطع السلاح الجوي، منها طائرات «إف-15» و»إف-16» والشبح «إف-22»، بالإضافة إلى طائرات التزويد بالوقود في الجو من طراز «كي سي-135»، وطائرات الرادار من طراز «أواكس» وقاذفات استراتيجية من طراز «بي-52».

• طائرات بلا طيار من طراز «ريبر» و»بريدايتور» من دون توقف بأجواء العراق وسورية، لمراقبة الوضع على الأرض، أو لتنفيذ هجمات بصواريخ «هيلفاير».

الشعيرات... «مطار الموت»

يقع مطار الشعيرات العسكري، الذي استهدفته الضربة الصاروخية الأميركية، على بعد 31 كم جنوب شرق مدينة حمص، وعلى بعد 41 كم عن ريفه الشمالي.

• يعتبر أكثر قواعد النظام «إجراماً» بالمنطقة الوسطى، ومنطلقا لضرب حمص وحماة وإدلب وريف دمشق.

• يضم الفرقة 22 واللواء 50 جوي مختلط و40 حظيرة لمقاتلات «ميغ 23» و«25» و«سوخوي 25» القاذفة

• يضم المطار مدرجين أساسيين طول الواحد 3 كم، وله دفاعات جوية محصنة من صواريخ «سام 6».

• يُعرف أيضاً باسم «مطار طياس العسكري»، واتخذت إيران منه قاعدة مهمة لإدارة عملياتها في سورية.