وجدت روسيا نفسها محرجة بعد الضربة الأميركية العسكرية لنظام الرئيس بشار الأسد، وشعرت بالحرج الشديد لأن الضربة تمت على الرغم من وجودها العسكري الواسع في سورية، حيث تمتلك عدة قواعد وتنشر منظومة دفاع صاروخي متطورة، وتسيطر على الأجواء السورية. وعجزت روسيا عن حماية حليفها من الضربة، بل هي أُبلغت بها قبل تنفيذها، وربما نبهت دمشق من حدوثها، لكنها لم تتمكن بأي شكل من الأشكال من الحؤول دون حصول القصف أو الوقوف بوجههه.

Ad

تعزيز الدفاعات

وفي محاولة لحفظ ماء الوجه، أعلن الجيش الروسي أمس أنه «سيعزز» الدفاعات الجوية السورية بعد الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة عسكرية لنظام دمشق، وفق ما قال المتحدث العسكري.

وقال المتحدث باسم الجيش إيغور كوناشنكوف: «من أجل حماية البنى التحتية السورية الأكثر حساسية، سيتم اتخاذ سلسلة من التدابير بأسرع ما يمكن لتعزيز وتحسين فاعلية منظومة الدفاع الجوي للقوات المسلحة السورية».

ويبدو أن روسيا تغامر بهذا الاعلان، لأنها ستعتبر مسؤولة عن فشل أي تصد في المستقبل لهجمات أميركية أو لغارات إسرائيلية.

تعليق الاتفاق

وفي موقف رمزي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية تعليق الاتفاق مع واشنطن الرامي إلى منع وقوع حوادث جوية بين طائرات البلدين فوق سورية، حسب ما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي اشارت الى أن بلادها طلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي للنظر في الوضع.

وقالت زاخاروفا إن «الطرف الروسي يعلق التفاهم مع الولايات المتحدة لمنع وقوع حوادث وسلامة الطائرات خلال العمليات» التي تنفذها الطائرات الروسية والأميركية في سورية.

وكانت روسيا والولايات المتحدة وقعتا في أكتوبر الماضي بروتوكول اتفاق ينص على قواعد وقيود تهدف إلى منع وقوع حوادث بين طائرات البلدين في المجال الجوي السوري، وذلك بعد أسابيع من بدء التدخل الروسي دعما لنظام دمشق.

وشددت الوثيقة على وجوب توخي الطيارين المهنية ونصحت باستخدام بعض الترددات اللاسلكية المشتركة وأوصت بإقامة خط اتصال ثانوي على الأرض.

من جهة أخرى، قالت زاخاروفا ان بلادها «تدعو مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ لبحث الوضع»، منددة بـ«نهج متهور» تتبناه واشنطن حيال النزاع في سورية.

وتابعت زاخاروفا «من الواضح أن الضربات الصاروخية أعدت سابقا (...) وأن القرار بشأن هذه الضربات اتخذ في واشنطن قبل كثير من الأحداث في إدلب التي كانت مجرد حجة للقيام بعرض قوة».

بوتين

واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الضربة الأميركية هي «عدوان على دولة ذات سيادة»، محذرا من أنها تلحق «ضررا هائلا» بالعلاقات بين واشنطن وموسكو.

وشدد على ان «الجيش السوري لا يملك اسلحة كيماوية وان المراجع الدولية اكدت حقيقة تدمير الاسلحة الكيماوية في سورية»، مضيفا ان «تجاهل استخدام المسلحين الاسلحة الكيماوية مرارا يزيد من تعقيد الوضع». وحذر الرئيس الروسي من أن القصف الصاروخي الأميركي سيلحق ضررا بالعلاقات الروسية- الأميركية، ويبعد المجتمع الدولي عن تحقيق هدفه في القضاء على خطر الارهاب.

وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيشكوف، إن القصف الاميركي تم بناء على «ذريعة مختلقة» ومحاولة لصرف انتباه العالم عن القتلى المدنيين في مدينة الموصل في العراق. وقال بيسكوف إن بوتين يعقد اجتماعا لمجلس الأمن الروسي في وقت لاحق لمناقشة التطورات. وقال بيسكوف، إن روسيا ستبقي قنوات الاتصال العسكرية والفنية مفتوحة مع واشنطن، لكنها لن تتبادل معلومات معها.

لافروف

بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي في طشقند في أوزبكستان، إن القصف الاميركي «يخدم توجهات الاطراف التي تسعى لاجهاص عملية التسوية في جنيف وأستانة وتخلق الذرائع للانتقال الى الحسم العسكري واسقاط النظام في سورية».

وأضاف لافروف أن «واشنطن لم تتخل عن دعم جبهة النصرة، وان العمل العسكري الاميركي يهدف الى تشتيت الانتباه عن ممارسات الجماعات الارهابية في سورية».

وحذر من أن هذه العملية العسكرية الاميركية ستلحق الضرر بالعلاقات الروسية- الاميركية، مستدركا بالقول «لكننا نأمل الا يؤدي هذا العمل الاستفزازي الى عواقب لا يمكن اصلاحها في العلاقات بين موسكو وواشنطن».

وقال لافروف: «هذا عمل من أعمال العدوان يستند إلى ذريعة مختلقة تماما»، وتابع «يذكرني بالموقف في 2003 حينما هاجمت الولايات المتحدة وبريطانيا مع بعض حلفائهما العراق». وأضاف أن موسكو ستطلب من واشنطن توضيحاً لسبب شن الضربات.

سورية

في المقابل، بدا أن نظام الرئيس السوري يعيش حالة نكران. وقال وزير الإعلام السوري رامز ترجمان، إن الضربة الأميركية متوقعة ومحدودة، ودمشق لا تتوقع تصعيدا عسكريا.

واعتبرت الرئاسة السورية في بيان الضربة الاميركية على قاعدة الشعيرات العسكرية في وسط البلاد تصرفا «أرعن غير مسؤول»، وفق ما نقل الاعلام الرسمي.

وقالت الرئاسة السورية في بيان نقلته وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) ان «ما قامت به اميركا ما هو إلا تصرف أرعن غير مسؤول، ولا ينم الا عن قصر نظر وضيق أفق وعمى سياسي وعسكري عن الواقع».

واعتبرت الرئاسة السورية أن هذا «الفعل الشائن عبر استهداف مطار لدولة ذات سيادة يوضح بالدليل القاطع مرة أخرى (...) من أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغير من السياسات العميقة لكيانه المتمثلة باستهداف الدول واخضاع الشعوب ومحاولة الهيمنة على العالم».

وأكدت أن «هذا العدوان زاد من تصميم سورية على ضرب هؤلاء العملاء الإرهابيين، وعلى استمرار سحقهم ورفع وتيرة العمل على ذلك أينما وجدوا على مساحة الأراضي السورية».

وقالت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري، إن الضربة الاميركية

تهدف إلى «خلق تحول استراتيجي في الملف السوري يصب في مصلحتها، وكذلك تركيا والسعودية وقطر».

إيران

أما إيران فقد التزمت الحذر الشديد في تعليقها على العملية الاميركية. واتهم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف أمس الولايات المتحدة باستخدام ادعاءات كاذبة لشن الضربة.

وكتب ظريف في تغريدة ان «الولايات المتحدة ساعدت الرئيس العراقي السابق صدام حسين على استخدام اسلحة كيماوية ضد ايران في ثمانينيات القرن الماضي. ثم استخدمت ادعاءات كاذبة حول الاسلحة الكيماوية أولا لمهاجمة العراق في 2003، والآن في سورية».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي في بيان: «ندين بشدة اتخاذ أي خطوات عسكرية أحادية الجانب، ونعتبر تبرير اتخاذها يؤدي الى نتائج خطيرة ومدمرة وينتهك المواثيق والحقوق الدولية». واعتبر أن هذه «الممارسات تؤدي الى إعادة الحياة الى الارهابيين الذين يؤولون الى الزوال، وتضفي المزيد من التعقيد على الاوضاع في سورية».

من جهته، قال رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي، إن «الضربة العسكرية الأميركية المتهورة والطائشة ستكون لها تبعات حقيقية، لأن روسيا وإيران لن تصمتا حيال هذه الخطوة التي تتعارض مع مصالح المنطقة».

وأضاف أن «العالم بأسره يعلم أن الحكومة السورية، عبر اتفاق مع الأمم المتحدة، قامت بتسليم كامل مخزونها من السلاح الكيماوي، وعليه فإنها لم تعد تمتلك هذا السلاح».

وزعم أن «استعمال الأسلحة الكيماوية يتم عادة في الوقت الذي تشعر فيها جيوش الدول بالهزيمة والانهيار، في الوقت الذي يتمتع فيه الجيش السوري بزمام المبادرة على الأرض، حيث تم تحرير مدينة، في حين العمل جار على تحرير باقي المناطق».

ماذا يعني تعليق مذكرة التعاون الجوي بين موسكو وواشنطن؟

اعتبر يوري شفيكتين، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي، أن تعليق العمل بالمذكرة الروسية الأميركية حول ضمان سلامة التحليقات في سماء سورية، يجيز لموسكو الرد على مختلف التهديدات والهجمات الأميركية.

وقال شفيتكين: «هذا التعليق منطقي تماما. الآن يتساءل الكثيرون لماذا لم تُستخدم صواريخنا المنصوبة في سورية للدفاع ضد الأهداف الجوية؟ الجواب عن هذا السؤال واضح، وهو لأن روسيا الاتحادية كانت ملتزمة بمذكرة التفاهم مع واشنطن في الأجواء السورية».

يشار إلى أن روسيا والولايات المتحدة وقعتا على مذكرة التفاهم بشأن منع الحوادث وسلامة الطيران خلال العمليات في المجال الجوي لسورية أثناء العمليات العسكرية، في أكتوبر 2015. وعقد الطرفان مؤتمرات دورية بواسطة دوائر الفيديو المغلقة خلال سير تنفيذ هذه المذكرة. وعقد المؤتمر الأخير يوم 24 مارس الماضي.

«حزب الله»: فاتحة توتر خطير في المنطقة

دان حزب الله اللبناني، في بيان أمس، الضربة الأميركية على سورية، مشيراً إلى أن هذه «الخطوة الحمقاء التي قامت بها إدارة (الرئيس دونالد) ترامب ستكون فاتحة توتر كبير وخطير على مستوى المنطقة، وستزيد من تعقيد الأوضاع على مستوى العالم».

وقال الحزب في بيانه، إن «في هذه الجريمة الجديدة إصراراً من الإدارة الأميركية على المضي في المسار العدواني المستمر، الذي تسلكه الولايات المتحدة في مواجهة الأمة العربية، خدمة لإسرائيل وتحقيقاً لأطماعها في المنطقة».

ورأى أن «مثل هذه الاعتداءات لا يمكن أن تؤثر في معنويات الجيش السوري، الذي يحقق الانتصارات تلو الانتصارات على الإرهابيين في مختلف المناطق السورية».

وأضاف أن «القصف لن يكون له أي انعكاس سلبي على حلف المقاومة الذي يقف إلى جانب الدولة السورية ويعاضدها في حربها ضد الإرهاب».

هل يقع صدام روسي ـ أميركي؟

قال رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف أمس، إن الضربة العسكرية الأميركية على قاعدة سورية أمس، «كادت أن تؤدي إلى صدام مع روسيا».

وأضاف ميدفيديف، حسبما نقلت عنه وكالة (أنترفاكس) الروسية للأنباء، أن «إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هاجمت سورية بشراسة بدلاً من الوفاء بوعودها بالتصدي للعدو الأخطر المتمثل في ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».

وتابع أن «واشنطن قامت بهذه العملية في انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي والقوانين الداخلية، التي تقضي بالتشاور مع الكونغرس» مؤكداً «كاد هذا الأمر أن يؤدي إلى صدام مع روسيا» دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل.