النقاش الذي دار بين المترجم جوناثان رايت والروائي إبراهيم فرغلي كان يمكن أن يكون مفيداً وأكثر ثراء، لو تخلص من بعض العبارات الجارحة، وسأترك هذه العبارات وأعود إلى الموضوع الذي يهمنا أن نخوضه، ليس لخلق مساحة يلتقي فيها الشرقي والمستشرق أو الغربي والمستغرب فقط، لكن لنقف حقيقة على اختلاف وجهة نظر المترجم الغربي ونظرته للأدب العربي، وبالعكس كيف ينظر المترجم العربي للأدب الغربي.سأبدأ مع المترجم العربي، وهو مترجم مجتهد لا يخضع دائماً لما تمليه النظرة التجارية، وما تفرضه المؤسسة الثقافية أو دور النشر عليه، فهو يختار أعماله التي يرى أنها تمثل روائع الآداب الغربية أو اليابانية واللاتينية. ساعده في ذلك أن القراءة في الفترة التي سبقت انفجار الميديا كانت نخبوية، وكان ذلك يحقق لدور النشر العربية جمهورا نوعيا يبحث عن الأدب الجيد والأعمال التي حققت رواجاً، وفي الوقت نفسه مثلت عناوين رائدة في الأدب الأجنبي. كنا نثق بما يقدمه لنا صالح علماني من آداب أميركا اللاتينية، ونثق بالجهد الخارق الذي يبذله طه محمود طه، الذي بدأ بترجمة عوليس لجيمس جويس عام 1964 وصدرت عام 1982. المترجم العربي كان مثقفاً مخلصاً لذاته أولاً ولقارئه الذي يثق به، بعيداً عن مفهوم تجارة الكتاب.
تغير الحال الآن، ودخل المجال بعض المترجمين الذين تقوم دور النشر بتكليفهم بترجمة أعمال عادية أو دون المستوى كروايات ستيفاني مايرز، ونورا روبرتس وغيرهما، لأن العمل حقق انتشاراً بين قراء مراهقين في أوروبا، وموجه لقراء مراهقين في العالم العربي. ولا أرى بأساً في ذلك فهو لم يمنع المترجمين الأكفاء من الاستمرار في ترجمة أعمال رائدة من شتى أنحاء العالم، والذين حافظوا على أسمائهم الأدبية.ما طرحه الروائي إبراهيم فرغلي على المترجم جوناثان رايت هو سبب تقديم روايات عربية عادية أو بسيطة للقارئ العربي والابتعاد عن روايات تمثل حقيقة الأدب الروائي الذي يتطور اليوم، ويمكن وضعه على الخريطة الروائية العالمية في حال انتقاء الجيد منه. بطبيعة الحال كان رايت محقاً وواضحاً في طرحه، فالمترجم الغربي يبحث عن سوق للعمل الروائي، وهو غير معني بجودة العمل على حساب انتشاره والعائد المادي له. وأيضاً يبحث عن حقوقه في الترجمة، وذلك حق له، وهو ما توفره المؤسسة التي تكلفه بترجمة هذه الأعمال التي تعتبرها أعمالاً جيدة، لأنها حصلت على تحكيم خمسة أشخاص معظمهم لا علاقة لهم بالرواية والكتابة الإبداعية.أما ما قاله جوناثان رايت بأن إبراهيم فرعلي يريد فرض مؤسسة دكتاتورية تختار الأعمال التي تترجم، فذلك ينطبق عليه. السيد رايت ليس حراً في اختيار الأعمال التي يترجمها، وهي إما أعمال فرضتها عليه مؤسسة الجائزة التي كلفته بالترجمة، أو أعمال فرضتها الذائقة الغربية التي تبحث عن روايات الفكرة لا روايات التقنية الإبداعية، فهو لا يستطيع مثلا أن يقدم روايات سليم بركات بلغته الصعبة وتقنيته الفاتنة، ولا يستطيع ترجمة أمين صالح، لأن القارئ الغربي لا يجد فيها ما يجده في بنات الرياض.الذي يبحث عن تجارة الكتاب لا يمكن له أن ينظر إلى عمل إبداعي لا تقبله دور نشر ولا تضمن تكاليفه مؤسسة. وما يتمناه إبراهيم فرغلي لن يتحقق مادامت هناك نظرة خاصة للأدب العربي والشعب العربي على أنه شعب منغلق حضارياً يعاني راديكالية دينية وفكرية، وما هو مسموح به كتابات تحمل في فكرتها خروجاً على هذا الانغلاق، فيكون الترحيب برواية المرأة ومناهضة ما هو ديني، ولهذا ينجح حسن بلاسم وأمثاله، ويرحب بهم رايت، حتى إن كانوا لا يجيدون اللغة التي يكتبون بها.
توابل - مزاج
المترجم وسوق الكتاب
09-04-2017