غالبا ما تنهل العنصرية والفئوية من بركة الأزمات المجتمعية، وهي حين يشتد عودها تضفي على الحياة مظهراً بائساً، فقد كان صادما السلوك العنصري والآخر الكاره للغريب اللذين لم يتورع نفر من أهلنا في إشهارهما، ولئن كانت هذه المسلكيات تتيح لنا في ما مضى التلهي بها والتندر على قائليها فإنها هذه المرة تجري على لسان نخب مجتمعية مؤثرة وفاعلة تمارس عزفا مشينا للخوف من الآخر على إطلاقيته.وأسوأ مما سبق محاولات سقيمة، وبمخيلة مريضة، لإلباس هذه البذاءات ثوبا فكريا من نوع الهوية والأصالة أو الحرص على صفاء اللهجة وغيرها، والحال أن تقصّي النسابة التاريخية والأصول والتواريخ واللهجة، إنما يفضي بنا إلى تتبع مجتمعات الكراهية حذو النعل بالنعل، ويفتح الباب على مصراعيه لينقضّ الجميع على الجميع.
ولكن الصحيح أن هذا الوضع يصنع فوارق ساطعة بيننا وبين العالم، فالدرس الكبير للحداثة هو أن البشر عليهم تناسي جميع الاختلافات والتفكير في ما هو مشترك بيننا وهي إنسانيتهم، فالبشر قاطبة هم في حاجة دائمة إلى الغذاء والأمن والراحة، وقبل كل ذلك هم في حاجة إلى رفقة ومخالطة نظرائهم، ولا غنى لهم عن الحاجة إلى التعبير عن أنفسهم.إن إحدى الحقائق الكبرى للتاريخ التي قدمها للبشر على اختلافهم، أنه ليس هناك في زمن الحداثة والمعاصرة مجتمع متجانس متشابه، وليست هناك حقيقة مطلقة وحيدة أو إجابة واحدة صحيحة أو طريقة واحدة للحياة.وإذا كانت سمة عالمنا المعاصر هي التعددية والتنوع، فإن في ذلك إقراراً بأن هناك اختلافات وفروقاً كبيرة بين البشر، ويتحتم علينا أن نحترم هذه الفروق، ومن ثم فليس هناك مكان لمن يخفق في إدراك هذه الفروق ويضطلع بدور مصدر الخطأ والصواب والحق والضلال، وفي هذا المعنى يغدو من الضروري احترام حقيقة أن البشر لديهم اختيارات أخرى، شريطة أن يمارسوا هذه الاختيارات بشكل مسؤول وتحت عنوان عريض هو مبدأ عدم الضرر، بحيث لا تستجلب خياراتهم الضرر للآخرين. ومرة أخرى فالمدخل للنماء الاجتماعي يتمثل بالتركيز على المشتركات والتصدى بشكل أكبر لتلك الانقسامات المفبركة التي تنشأ بين الناس، وغير ذلك ليس سوى عودة للوراء.
مقالات
إلى الوراء در
09-04-2017