لماذا يكشف «الكيماوي» دائماً أزمة أخلاقية دولية؟

نشر في 10-04-2017
آخر تحديث 10-04-2017 | 00:23
 أ.د. غانم النجار هل هناك علاقة بين الأسلحة الكيماوية والأخلاق؟ ربما. يُطلَق على الكيماوي مصطلح "سلاح الرجل الفقير"... ربما.

في سنة 1988 ، وفي الفصل الأخير من الحرب العراقية - الإيرانية، شنت القوات العراقية "حملة الأنفال"، تيمنا بآية الأنفال الكريمة، وكان صدام حسين حريصاً على استخدام المصطلحات الدينية لحملاته العسكرية. استهدفت الحملة "إبادة جماعية" للأكراد، واستُخدم فيها غازا الخردل والسارين. أشرف على الحملة علي حسن المجيد الذي صار يعرف باسم "علي الكيماوي" الذي تولى مهمة "محافظ الكويت"، أثناء الغزو. وفي قرية حلبجة الكردية كان ضحاياها آلاف الأكراد من المدنيين، وتم لاحقاً توثيق ذلك من باحثين ومنظمات دولية مستقلة. واستنكفت أميركا عن تأييد اتهام صدام بتلك المجزرة.

في 2005 حكمت محكمة هولندية على تاجر هولندي يدعى فرانز فان انرات بالسجن 15 سنة لشرائه وتزويده نظام صدام حسين بالأسلحة الكيماوية.

في أغسطس 2013 شن النظام السوري هجوماً بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق كان ضحاياه يزيدون عن 1400 ضحية جُلهم من المدنيين. تلكأت الحكومة الأميركية، وتمنعت الحكومة الروسية، وغيرها، وتشنجت حكومات عربية، ولم يحدث رد على ذلك، فسلاح الفقراء يقتل الفقراء، وهم ركام "زائد عن الحاجة"، فلماذا يهتم الأغنياء؟!

وفي أبريل 2017 جرى عدوان جديد بالكيماوي، غاز السارين، على خان شيخون بسورية، ومازال العالم أو المنظومة الدولية، كما يطلق عليها، تدور حول نفسها، لتسقط على ظهرها كالفقمات.

أما جمهورنا العربي والإسلامي فحاله أكثر بؤساً، فالكل يتحدث عن ظلم الغرب والشرق لنا، ففريق يؤيد روسيا، وفريق يؤيد أميركا. وبين هذا وذاك لم يعد للأطفال قيمة، فالأهم هو "الانتصار الاستراتيجي"، أما التكتيكي فهو جماجم الأطفال وأنفاسهم الطرية. وسواء أكنت مع داعش أو في إطاره بمسميات مختلفة، أو مع الأسد وبإطاراته المختلفة، فلا يستطيع أحد أن يدعي إنسانية ما، فهي إنسانية مقننة، تندلق كالزيت الحار على أوراق أزمة أخلاقية.

ما يثير الانتباه هو أن الحس لدينا قد تفلش ودخل في طور حالة تبلد أخلاقي، وبيات صيفي يتجاوز سنين أهل الكهف، وكُمونٍ شعوري لا إفاقة منه. البشر بيننا، ولا بأس، بعد أن يسمع خبر المجزرة بتفاصيله الكريهة المقززة، يتجه بشراهة لالتهام الطعام، تشاركه في ذاك أشلاء الأطفال وعيونهم المفقوءة وأكبادهم المستأصلَة. لدى الكثيرين، لم يعد ذلك مهماً، فالمهم هو "الاستراتيجي"، وهو هوية ذلك الطفل السياسية والدينية والمذهبية والعرقية، وربما اللغوية.

أما بعد تلك الجولة الفكرية الملطخة بالدماء، فلا بأس من الحديث عن شيء من خطاب التسامح وغمسه خلسة، وبعيداً عن النظر أو بخائنة أعين، بدماء أطفال لا هويةَ لهم، بلا وجوه وبلا ملامح. ولا بأس أيضاً من التكبير لاحقاً ضد أعداء الأمة والصهاينة والأميركان والكفار، حتى نشعر براحة واتساق منطقي، ولا ندرك أننا نحمل عدونا داخلنا، وانفصام شخصيتنا.

back to top