تقسيم سورية... فكرة سيئة تأبى أن تموت

نشر في 10-04-2017
آخر تحديث 10-04-2017 | 00:10
لا يشكّل التقسيم "حلاً" لأي مشكلة باستثناء الحاجة إلى التدخل في حدود دول أخرى وإعادة رسمها، وقلما يكون التقسيم أيضاً "الحل" الذي يرغب فيه معظم سكان البلد المعني، حتى إن كثيرين منهم يعتبرونه غير مقبول البتة، ولا يضع التقسيم بالضرورة حداً لسفك الدماء، ويحوّل غالباً مجموعةً صغيرة من زعماء الحرب إلى قادة سياسيين "وطنيين".
 أميركان كونسرفاتيف ساورت شخصٌ يُدعى توم فريدمان فكرة سيئة: الحل الأقل سوءاً تقسيم سورية وإقامة منطقة محمية سنية عموماً تحميها قوة دولية تشمل، إذا دعت الحاجة، بعض الجنود الأميركيين.

لا يشكّل التقسيم عموماً حلاً للصراعات المسلحة كافةً، وخصوصاً عندما يتبع خطوطاً إثنية أو طائفية واضحة، كما يشير فريدمان على ما يبدو، لأن التقسيم يتحوّل إلى سبب إضافي للمزيد من الاقتتال وتهجير مَن ينتهي بهم المطاف على الجانب "الخطأ" من خطوط الفصل الجديدة. علاوة على ذلك يعزز التقسيم، وفق خطوط إثنية وطائفية، الانقسامات ويزيدها حدة، فضلاً عن أنه يميل إلى تمكين الأعضاء الأكثر تشدداً في كل مجتمع بعد انتهاء الحرب بفترة طويلة. يشكّل التقسيم عادةً "حلاً" تبتكره القوى الخارجية لتجزئ بلداً وتحوّله إلى دويلتين ضعيفتين أو أكثر تصبح كلها مناطق دولية لسنوات أو حتى عقود. إذاً لا يشكّل التقسيم "حلاً" لأي مشكلة باستثناء الحاجة إلى التدخل في حدود دول أخرى وإعادة رسمها، وقلما يكون التقسيم أيضاً "الحل" الذي يرغب فيه معظم سكان البلد المعني، حتى إن كثيرين منهم يعتبرونه غير مقبول البتة، ولا يضع التقسيم بالضرورة حداً لسفك الدماء، ويحوّل غالباً مجموعةً صغيرة من زعماء الحرب إلى قادة سياسيين "وطنيين" يعقدون العزم على استغلال مناطق نفوذهم الجديدة والإساءة إلى خصومهم السياسيين. إذاً لا يشكّل التقسيم بالتأكيد الحل "الأقل سوءاً"، بل أحد أسوأ الحلول المتوافرة. علاوة على ذلك تتطلب "المنطقة المحمية" التي اقترحها فريدمان عشرات الآلاف من الجنود على الأقل لحراستها، ومن المؤكد أن كل هؤلاء الجنود أو على الأقل معظمهم سيكونون من الأميركيين، بالإضافة إلى ذلك سيصبح الجنود عرضة لخطر تحوّلهم إلى هدف للمجاهدين وقوات النظام، وهكذا توكل إليهم مهمة لا تُحمد عقباها: التحول إلى حاجز صد بين أطراف متحاربة طوال سنوات أو حتى عقود، ولا شك أن مهمة مماثلة لن تكون صغيرة، أو قصيرة، أو محدودة الكلفة. وإذا لم تترافق مع تسوية تستند إلى مفاوضات وتوقِف الحرب، فستكون هذه المهمة أيضاً دموية جداً. يجب أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية للتفاوض بشأن توقف لإطلاق النار يتحوّل إلى أساس لهدنة دائمة، وتتطلب خطوة مماثلة تنسيقاً دبلوماسياً بين رعاة النظام والمعارضة بغية وقف القتال الدائر اليوم والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وقد تغدو هذه الخطوة ركيزة تسوية سلام طويلة الأمد، ولكن ثمة خطوات ينبغي إنجازها قبل البدء بذلك، يجب الكف عن التحدث عن الخيارات العسكرية والتقسيم لأنهما، إن تحققا، يزيدان الوضع سوءاً ويشكلان مضيعة للوقت ترجئ الجهود الدبلوماسية التي يلزم بذلها.

* "دانيال لاريسون*

"

back to top