معركة ترامب غير المدروسة ضد «داعش»
لا تحقق الاستراتيجية الأميركية الحالية لمحاربة "داعش" النجاح، فالهدف توجيه رسالة قوية وهي وقوف العالم الحر موحداً ضد "داعش"؛ لذلك التقى ممثلو 68 دولة في قمة التحالف ضد "داعش" في واشنطن في 22 مارس.منذ ذلك اللقاء هدأت الأوضاع، وظهر عدد متنامٍ من التقارير التي تشير إلى عمليات قصف أميركية في سورية والعراق على حد سواء راح ضحيتها، حسبما يُعتقد، عشرات المدنيين. على سبيل المثال يُرجَّح أن نحو 200 شخص قُتلوا في 17 مارس في الموصل، ويعود ذلك إلى إعلان ترامب أنه سيمنح الجيش حرية أكبر يسقط اليوم عددا أكبر من القنابل. ولكن ما زلنا نفتقر إلى خطة لإنزال الهزيمة بالإرهابيين عقب السقوط المتوقَّع لمدينتَي الموصل والرقة اللتين يسيطر عليهما تنظيم "داعش".سبق أن هزمنا "داعش" الذي كان يحمل اسماً مختلفاً قبل عام 2010، إلا أن هذا التنظيم وُلد من جديد، لذلك تكثر المخاوف راهناً من أن ينبعث مجدداً في المستقبل، وستسقط قريباً مناطق "الخلافة" الواقعة اليوم تحت سيطرة "داعش"، لكن أرضاً خصبة تُعدّ راهناً للوحش التالي، "داعش الجزء الثاني" الذي سيرجع على الأرجح إلى العمل في السر، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن مجموعات كثيرة في الائتلاف المناهض لـ"داعش"، فضلاً عن وحشيتها، تعادي إحداها الأخرى، ومن المحتمل أن تستأنف الصراع بعيد هزيمة "داعش". صحيح أن ترامب أراد العمل بشكل مختلف تماماً عن سلفه، إلا أنه يواصل اليوم سياسة أوباما في الشرق الأوسط، لكن أداءه أكثر سوءاً، فيسعى إلى تحقيق شتى الأهداف التي يناقض أحدها الآخر:
أولاً، يريد أن يحارب "داعش" في سورية إلى جانب روسيا وبالتالي إيران. ثانياً، يعتبر ترامب إيران في اليمن العدو الأول ويرغب في تعزيز الدعم للمملكة العربية السعودية ودول الخليج في حملة القصف التي تقودها ضد الثوار الحوثيين الشيعة، فوفق منطق ترامب من الضروري احتواء إيران، ولكن أي مكان أفضل لتحقيق ذلك من سورية حيث ينظم حرس الثورة الإيراني الحرب البرية التي يخوضها الحاكم المستبد الأسد؟ثالثاً، تقدّم الولايات المتحدة دعماً جوياً للميليشيات الشيعية التي تتقدم في الموصل، وقد نجحت هذه الميليشيات في تأسيس قواعدها الأولى في النصف الشرقي المحرر من المدينة تحت القيادة الإيرانية بعدما طردت مئات آلاف السنّة من المحافظات، قاتلةً الآلاف وماحية قرى كاملة. ما من خطة، أو منطق، أو أي أمر آخر، من الجانب الأميركي على الأقل، إذ لا يعود الحافز الرئيس وراء بروز "داعش" في المقام الأول إلى قوة عقيدته الأصولية، بل يتغذى هذا التنظيم من الفوضى ووحشية خصومه المحليين، مما يؤمن له قاعدته الشعبية الأساسية من المسلمين السنّة، ولكن يسهل إنزال الهزيمة بـ"داعش" إذا نجحنا في سحب بساط الدعم هذا من تحت قدميه، أي إذا تمكّن السنّة الذين يقيمون في المناطق بين الرقة والموصل من العيش بسلام من دون أن يخشوا قنابل الأسد في سورية أو الميليشيات الشيعية في العراق، ولكن لتحقيق ذلك يحتاج الغرب إلى رؤية واضحة تتخطى الانتصارات العسكرية القصيرة الأمد وتركّز على الأسباب الرئيسة وراء الحرب الأهلية الدائرة بين السنّة والشيعة في المنطقة.ولكن بدلاً من ذلك نشهد راهناً قصفاً في البلدَين من دون أي استراتيجية في الجو أو البر، ورغم زيادة عدد الأطراف في هذه الحرب التي تواجه رسمياً "داعش"، فإنها تناضل في الواقع لتحقق أهدافها الخاصة، ولا شك أن هذا يشكّل عصراً ذهبياً لـ"داعش"، فلا عجب أن يكون شعار هذا التنظيم الرسمي "الاستمرار والتوسّع".* كريستوف تيتز