النقد والكاتب الشاب
في ختام موسمه الثقافي السادس أقام الملتقى الثقافي في الكويت أمسية بعنوان "الإبداع الشبابي"، شارك فيها: حمد الشريعان، ناصر البراعصي، خالدة الثويني، هبة مندني، تغريد الداود، ريما حمود، شمسة العنزي، فاطمة محمد، وزينب العنزي. أدار القاص المبدع مشاري العبيد الجلسة بسلاسة، وبما يشبه الحوار الودي مع المشاركين. وقد وجَّه سؤالاً محورياً للمشاركين في الأمسية يتكون من شقين، حيث طلب من كل كاتب أن يتحدث عن تجربته في إصداره الأخير، ومن ثم يبيّن كيف استقبل النقد هذه التجربة. فيما يخص الشق الأول من السؤال، تكلّم المشاركون فيما يشبه إجماعاً بأن قضايا الواقع المحلي الكويتي المتفاعلة، وكذلك قضايا الوطن العربي، تشكّل المحرك والجذر الأهم لأعمالهم القصصية والروائية، وأن تجاربهم الشخصية مبثوثة بين سطور أعمالهم بشكل خفي أو صريح.
وباستثناء الروائي الشاب ناصر البراعصي، الذي أصدر رواية واحدة هي "يحسبه الظمآن ماء"، وكذلك الكاتبة فاطمة محمد، اللذين قالا إن أعمالهما لاقت نقداً إيجابياً وحظيت بالعديد من المقالات، وإنهما سعيدان بهذا الاحتفاء الذي يشكّل دافعاً لهما، فإن جميع المشاركين أكدوا إهمال أعمالهم من قبل النقاد وعدم الالتفات إليها، وإن النقد، سواء كان عبر الصحافة أو المجلات الثقافية المتخصصة، ينصب على أعمال الكُتاب الأكثر شهرة، أو على أعمال لمعت شهرتها عبر الجوائز المحلية والعربية، وإن هذا النقد وفي كلتا الحالتين يعتمد على العلاقات الشخصية، والشللية. وشكا معظم الكُتاب الشباب من أنهم كانوا يحلمون بنقد أو رأي أو كتابة تسلط الضوء على أعمالهم، لكن الواقع كان قاسياً، ولم تحظَ أعمالهم بأي اهتمام أو التفات. ما يجب الإقرار به، أنه وخلال العقدين الماضيين، عانت وتعاني ساحة النقد العربية عدم وجود الناقد المخلص للنظرية النقدية العالمية من جهة، والمتابع الدؤوب للإصدارات الروائية والقصصية، سواء على المستوى المحلي أو العربي من جهة ثانية.مؤكد أن الوضع السياسي والاجتماعي وبالتالي الثقافي المتدهور والمؤلم الذي تعيشه أقطار كثيرة من وطننا العربي كان سبباً أساسياً قاهراً وراء قلة النقاد والنقد. وتأتي كثرة الإصدارات التي يصعب اللحاق بها لتشكّل سبباً ثانياً لعدم قدرة الناقد على الوقوف عند كل ما يصدر. وأخيراً، لابد من الإشارة إلى انبعاث دور نشر محلية كثيرة في معظم الأقطار العربية. وإذا كان البعض الأقل منها معني بالإبداع والمبدع وجودة ما ينشر، فإن الجل الأكثر منها يسعى بشكل لاهث ومحموم نحو الربح المادي، ولو جاء ذلك على حساب المنتج الثقافي الذي يسوّقه بوصفه سلعة في مجتمع استهلاكي. لذا، وبقدر ما نستصرخ الناقد العربي لدور أكبر، بالقدر نفسه نقف معه في صعوبة مجاراة واقع النشر العربي الراهن، بعدما أصبح الكثير من الناشرين يخوضون سباقاً محموماً لنشر أكبر عدد ممكن من الكتب دون النظر إلى أي اعتبار إلا الربح المادي.بعد أن انتهى الكُتاب الشباب من شهادتهم، وفُتح باب النقاش للحضور، خلص النقاش في أمسية الملتقى الثقافي إلى أن الإصدار المبدع وحده قادر على جذب الناقد، ووحده قادر أيضاً، طال الزمن أو قصر، على خلق مكانته الإبداعية، وأن الكاتب عليه ألا يلقي اللوم على الناقد وحده، فهو من طرفه مطالب بأن يسعى لإيصال إصداره للنقاد الذين يتوسم فيهم استعداداً للكتابة عن إصداره.أزمة النقد لا تخصّ الكويت وحدها، ولا تشغل بال الكاتب الكويتي الشاب وحده، بل هي قضية أساسية على الساحة الثقافية العربية، وربما صار من الضروري تصدي جهة ما لعقد مؤتمر للنقد العربي، يضع النقاد العرب تصوراتهم لكيفية الخروج من هذا المأزق النقدي العربي الصعب.