باستثناء قضيتي استثمارات إسبانيا وناقلات النفط، التي سقطت سهواً بسبب "توهان تاريخ الحكم"، لم تتم ملاحقة قضية فساد كبرى تذكر. استعادة المدير السابق للتأمينات إلى الكويت خطوة غير مسبوقة، ويشكك كثيرون في إنجازها، لانعدام الثقة، على الرغم مما تحقق حتى الآن.

الإجراءات البريطانية للموافقة على ترحيل شخص ما إلى بلد آخر معقدة وطويلة، وهي كذلك لضمان عدم التعسف وانتهاك حقوق الشخص المطلوب، أو تعرضه للتعذيب أو استهدافه سياسياً. شاركت في بعض جزئيات مطالبات بعض الدول باستعادة مواطنيها بطلب من جهات قضائية بريطانية، بصفة استشارية، مرات عدة. كثير من تلك الحالات غير مشهور ويخص أشخاصاً غير معروفين، كان آخرها تسليم أحد الأشخاص المطلوبين أميركيا بتهمة الإرهاب، حيث استغرقت وقتاً وجدلاً قانونياً طويلاً، وكانت قبلها حالة شهيرة لـ "أبوحمزة" المصري وتسليمه لأميركا، وبعده "أبوقتادة" وتسليمه للأردن، وغيرهما.

Ad

أما القضية الأكثر شهرة، فقد كانت لدكتاتور تشيلي السابق أوغستوس بينوشيه الذي حكم البلاد من ١٩٧٣ حتى ١٩٩٠، بعد انقلاب دموي ضد الرئيس المنتخب سلفادور الليندي. فأثناء زيارة بينوشيه إلى لندن للعلاج في أكتوبر ١٩٩٨، تقدم عدد من الأشخاص يعيشون في إسبانيا، موثقين انتهاكات صارخة تعرضوا لها إبان حكمه، بطلب تسليمه لإسبانيا، وقد حضرت جزءاً من ذاك الجدل القانوني.

وحيث إن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فقد تم قبول الدعوة شكلياً، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى مارس ٢٠٠٠، إذ أطلق سراحه لاعتبارات صحية من دون محاكمة، أما الحقيقة فهي أن وزير الداخلية حينذاك جاك سترو نقض قرار مجلس اللوردات بتسليمه لإسبانيا، بترتيب من رئيس الوزراء حينذاك توني بلير، لاعتبارات سياسية بحتة. وتم ترحيله في ليلة ليلاء بعيداً عن عيون الناس، إلى أن توفي في تشيلي في ٢٠٠٦.

إذاً، هناك شق سياسي واضح في المسألة. إن كانت الحكومة عندنا جادة فعليها أن تعمل على تحييد الشق السياسي مع الحكومة البريطانية. من واقع الخبرة في تسليم المحكومين أو المتهمين، فإن أي استهداف لسياسيين عادة ما يكون أضعف من غيره. وبالتالي صار على الجهة الطالبة بذل جهد كبير لإقناع المحكمة البريطانية بصدقية مزاعمها.

في ١٥ ديسمبر ٢٠١٦ وقعت الكويت وبريطانيا اتفاقية تسليم المحكومين، ويفترض أن تكون قد تمت مناقشتها في جلسة أمس. وحتى إن صدرت الاتفاقية الجديدة ونشرتها الجريدة الرسمية، فمن غير المتوقع أن تؤثر على مجريات القضية في الوقت الحالي.

بالطبع، وصول المسألة إلى حد تجميد الأموال بعدة بلدان وقبول قضايا ضد المدير السابق لم يتم بسبب الاهتمام الحكومي، ولكن بسبب متابعة شخص واحد، لا مؤسسات، ولا بنوك ولا هيئات رقابية أو تشريعية، بل حظي المدير العام بدعم غير محدود من الكثير من أعضاء البرلمان بمن فيهم شخصيات معارضة، إلى أن كرس د. فهد الراشد جهداً كبيراً، وهو عضو سابق بمجلس إدارة مؤسسة التأمينات، متابعاً الموضوع بجهد ذاتي ومالي خاص في دول عديدة، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه. بالطبع كان للتعاون اللاحق للسلطات عموماً والنيابة خصوصاً أثر كبير على تحرك القضية، مساندة لمساعي استرجاع الأموال العامة المسروقة ومعاقبة السارق، ونأمل أن تستمر في ذلك.

مسألة استرجاع وإعادة تسليم المدير السابق للكويت ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض، ولكنها ليست مستحيلة، خاصة أنه تم إبرام الاتفاقية. صحيح أن هناك تفاهماً قضائياً بين البلدين، ولكنه أضعفُ من الاتفاقية الكاملة. والآن تنظر محكمة ويستمنستر في الطلب الكويتي بتسليم المدير السابق، وتدرس مدى انطباقه على المعايير الحقوقية، وقد تنجح أو لا تنجح.