قلوب مطمئنة ووردة مجنونة!
إذا لم يغيّرك الحب إيجاباً أو حتى سلباً، وإذا لم يدهشك حالك بالرضا عن ذاتك أو السخط عليها عندما تقف للحظة لتراك في ذلك الصندوق الزجاجي الرهيف جداً والهش جدا والقابل للكسر والمعبأ بأوكسجين تختلف معادلته الكيميائية عن أوكسجين الطبيعة، فكل حججك بادّعاء الحب ساقطة لا محالة!إذا لم ينحت الحب بمائه صلابة قلبك ويعيد تشكيله من جديد ليتولى زمام حياتك ويقودها إما إلى فردوس الحياة الدنيا أو جحيمها، إذا لم يفعل الحب ذلك، فاطمئن، فأنت معافى من الحب وسليم من ضربة شمسه وحُمّاه. إذا لم يَعُد لك الطفل الذي سرقته الأيام من داخلك عنوة، فارتح بالاً، فلن يشغلك قلبك بالركض أمام الفراشات مليئاً بالحب والشغف ليدلّها على مخازن الرحيق في قلب الزهر.
إذا لم تجد نفسك واقعاً في فخ الأغاني ومصيدة الشعر، ومتاهة قوس قزح، فنم قرير العين كميت لم يدفن بعد، بانتظار إصدار شهادة وفاته، فلا خيالات سحرية ستسري بك على دروب السهر، ولا هواجس مبللة بالشوق ستنقض خيوط جفنيك أثناء منامك.إذا لم تشعر بأنك خفيفا كهواء، مطواعاً كريشة لمشيئة ريح، فلا توهم نفسك بأنك وضعت قلبك بين يدي الحب مستسلماً لطاحونة هوائه لتحيلك إلى بذرة قمح، ومن ثم سنبلة. وإذا لم يشل الحب حركتك التي كنت قد خططت لها مسبقاً والتي راجعتها مرارا وتكرارا لتتقنها عند تنفيذها، ليستبدلها بحركة منك مفاجئة حتى لك، فأنت مازلت حراً لم تجرِ مقايضة مع الحب شبيهة بتلك التي قام بها فاوست مع الشيطان في الحكاية الألمانية الشعبية الشهيرة، ولم تمنح الحب روحك مقابل الحصول على ملذاته.مع الحب ليس هناك أنصاف حلول، ولا أنصاف قلوب، ولا بعض روح، إما أن تكون له بالكامل، وإلا فلن تحصل سوى على قشرته الخارجية وزبَد بحره الذي يقذفه على سواحله، ليستمتع به أولئك الذين يخشون الغرق ولا يملكون قلوباً بأشرعة، وأولئك الذين يريدون أن يجمعوا بعض الأصداف التي يرمى بها على شواطئه ليأخذوها دليلاً مادياً على أنهم عرفوا الحب حق المعرفة وسبروا غور أعماقه، ليقوموا بعد ذلك بتعداد مساوئه مشفوعاً بصلاة شكر أن أنقذهم الله من لجة بحره المظلمة وهم لم يعرفوا من بحره سوى بعض أصداف جافة ورائحة سفر لم يتم، ووداع لم يولد بعد. أما الذين مرّ ازميل الحب بقلوبهم، فلابد أن تبقى معالم ذلك الإزميل وآثاره عليها وشماً يصعب إزالته برغم الزمن، ولا بد أن تظهر تغيرات الحب على أرواحهم وطباعهم وسلوكياتهم، إما بشكل جميل، وإما بشكل سيئ، وهذا يعتمد على طبيعة كل قلب، فالقلوب التي تقاوم حبها إما رفضاً للسلطة المطلقة للحب، أو رفضاً للمحبوب ذاته هي غالباً المعرضة للهشيم. أما القلوب الموعودة بفردوس الحب وثمار جنته، فهي تلك المطمئنة له والمتقبّلة تقلباته المزاجية ونزقه أحياناً والمسلّمة نفسها لمشرطه الحاد لينحت كيفما شاء وردته المجنونة عليها.