حكومتنا... تخبط وميول استبدادية
منذ صدور الدستور عام 1962 دخلت الكويت مرحلة التحول إلى دولة القانون، أي دولة يحكمها القانون، والتحول إلى دولة ديمقراطية السيادة فيها للأمة (مادة 3 من الدستور)، والدستور هو الخطوة الأولى في هذا الطريق، كما جاء في كلمة المغفور له الشيخ عبدالله السالم «الدستور خطوة لاستكمال شروط الديمقراطية».ويحصل ذلك عندما تتحول الكويت إلى نظام ملكية دستورية أو شبه ذلك تشكل فيها الحكومة من النواب الذين انتخبهم الشعب.والمادة 56 من الدستور تنص على تعيين الوزراء من المجلس وآخرين من خارجه، بمعنى أن تكون الغالبية من الأعضاء المنتخبين وأقلية من الخارج. وفيما عدا أن يكون الأمير من ذرية مبارك لا يوجد نص على تولي الشيوخ مناصب وزارية ولا مناصب إدارية كما هي حالنا الآن.
أبادر وأقول إن الطريق مازال طويلا، والآمال المشروعة في التحول إلى دولة ديمقراطية يحكمها القانون ما زالت بعيدة، ومع أن هذا المسار تعرَّض لعثرات وتراجعات وانتكاسات، إلا أننا نتعلق بآمال أكثر إشراقا.نتائج تصويت مجلس الأمة بشأن حق التظلم أمام القضاء في القرارات الحكومية فيما يتعلق بإسقاط الجنسية أو سحبها تعد انتكاسة معيقة لمسار التحول لدولة القانون.حق التقاضي أمام المحاكم والتظلم من قرارات الحكومة الإدارية كفله الدستور (مادة 166)، وأكدته محكمة التمييز في حكمها الصادر في 23/ 3/ 2016 برئاسة المستشار محمد الرفاعي، وحكم محكمة التمييز في 9/ 10/ 2016 برئاسة المستشار ناصر الأثري، وحكم محكمة التمييز في 27/ 11/ 2007 برئاسة المستشار محمد خيري الجندي، كل هذه الأحكام رفضت ادعاء الحكومة بأن القرارات بشأن الجنسية تعتبر من أعمال السيادة ولا تخضع للقضاء، وأكدت حق التقاضي والتظلم بشأن سحب وإسقاط الجنسية. هذه الأحكام صدرت من محاكم عليا، بعد أن مرت بمرحلتي الابتدائي والتمييز.فلماذا تتخوف الحكومة من القضاء؟حكومتنا إلى جانب تخبطها في إدارة شؤون البلد، وآخرها قرار مفاجئ بإقالة رئيسة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية رشا الرومي، وقبل ذلك قرار إقالة سامي النصف، يميل الكثير لتفسيرها بأن وراءها مصالح. ولا يغيب عن البال تخبط الحكومة في معالجة الشأن الاقتصادي، فهي تقدم خطة أو برنامجا للتقشف وتقليص المصروفات، وفي الوقت نفسه تعقد صفقات شراء طائرات بقيمة 20 مليار دولار، وتغض الطرف عن تضخم تكاليف العلاج السياحي في الخارج، ليصل إلى ما يزيد على 750 مليون دينار.حكومتنا أو الحكومات المتتالية مازالت تعاني نزعة الاستبداد، ولا تريد التطور لدولة يحكمها القانون والسيادة فيها للأمة، وحل المجالس السابقة ومحاولات تعديل الدستور وممارسات تكريس المشيخة كلها تفصح عن عدم الرغبة في التصالح مع النظام الدستوري الديمقراطي.في الختام، كلمة بشأن حجج المعارضين داخل المجلس وخارجه لإقرار حق التظلم أمام المحاكم...أولا: شعار شرعنة المزدوجين والمزورين كلام إما أنه ناتج عن عدم فهم ما هو مطروح، أو أنه نابع من نوازع فئوية، فالمطروح هو إقرار حق التظلم من قرارات سحب الجنسية أو إسقاطها أمام القضاء، فالمزدوج يخيَّر، والتزوير جريمة يعاقب عليها القانون، ويجب أن تفضح أمام القضاء.ثانيا: المبالغات في طرح الأرقام بوجود مزدوجين بعشرات أو مئات الآلوف، فالأمر يفترض أنه بعد هذه السنين الطويلة أن الجهات الرسمية على علم بذلك، ونفس الشيء ينطبق على الكلام الذي أثاره رئيس مجلس الأمة، بوجود ملفات لأشخاص سجلوا فيها أكثر من 70 ابنا وحالات مشابهة، لذلك فالمسؤولية تتحملها الحكومة. أي معلومة مثيرة للانتباه يفترض أن تكون محل بحث وتمحيص وإجراءات، وعدا ذلك فإن استمرار الحال إمعان في التستر وسوء الإدارة، ولا يجوز أن يتخذ عذرا أو مبررا بحجب حق الناس في اللجوء إلى القضاء ملاذهم الأخير.