يبدو أن العالم يتسابق في تحقيق معدلات متقدمة في الفساد، ولا يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ عن فضيحة فساد من نوع ما في بلد ما، بعضها سرقات بسيطة يقع فيها البسطاء، وبعضها من النوع الثقيل ما كان يمكن أن تنفضح لولا جشع أصحابها وإصرارهم على عدم إشراك آخرين فيها.

الجيد في بلاد القوانين أن من يُكتشف يحاكم ويسترد منه ما سرق، وقد يسجن أبطال السرقة، وهناك بلدان الفضيحة فيها عيب كبير ينتحر الفاسدون لأن الحياة بعد انكشافهم لا تعود مقبولة، فبعض اللصوص ذوي المقام الرفيع والأعراق لا يقبلون العيش مع الفضيحة، ولكنهم سيستمرون في ممارسة عراقة شرفهم لو كانت سرقاتهم مستورة.

Ad

في بلادنا العربية العزيزة، بلاد الرسل والأديان السماوية الأمر مختلف تماما، فنحن نسرق ولا نستحي، والناس تعرف السارق وتقوم له احتراما لو دخل مجلسا أو ديوانية، قد يتهامس الناس بينهم عما فعله هذا الحرامي وكم سرق وممن سرق، وتجري بينهم المعلومات كاملة، لكن أحداً لا يقول كلمة واحدة لإشعاره بالعيب، والأدهى أن بعض سراقنا يتباهون بقدراتهم وثرواتهم التي جمعوها بالغش والرشوة واستغلال المال العام والخاص، ويضحكون ملء أشداقهم على منافسيه الذين لم يحصلوا إلا على الفتات.

الفساد عندنا ليس فضيحة لشخص مجهول ينكشف فجأة بفضيحة مجلجلة تهتز لها أركان الدولة ولكن الفساد حالة معروفة وقصص مسجلة على أسطوانات، وتعترف بها الدولة، وتعلنها في كل مرة وكأنها تتحدث عن عالم آخر، الفساد الكويتي له أعرافه وقوانينه وله رجاله ونساؤه، ولا أحد يستطيع أن يمس أي طرف فيه، الدولة تعرف سراقها لكنها بعد أن تصرح وتعلن حجم السرقات والفساد المستشري تعود وتنام قريرة العين، فلا ديوان محاسبة يُسمع له، وكان هناك مجلس أمة يحاسب فأدخلوا بعض رجاله في اللعبة فأصبح حائط صد لأي كرة قد تصدم أي فاسد.

بعض النواب ما زالوا يعتقدون أنهم سيقضون على الفساد والسرقة واللعب بالمال العام، لكنهم أصوات تجلجل ثم تضيع بين جموع السارقين والفاسدين، ولعل جلسة يوم الثلاثاء 11 أبريل خير دليل على هذا.

سمعنا الأهوال عما يحدث من تزوير في منح الجنسية، أسماء وأعداد وتواريخ ومعلومات كاملة تبين أن الجنسية يتحكم في منحها طرف أو أطراف لا يعنيهم خطورة ما يفعلون، ويبدو أن لجان الجنسية ومسؤولي إدارتها ووزير الداخلية ينفذون الأمر بدون سؤال، ورئيس المجلس قدم حالات لا يمكن أن تمر على جاهل، فماذا حدث بعد ذلك؟ هل قام رئيس مجلس الوزراء ليقدم استقالته لهذه الجريمة التي لم يعرف عنها شيء؟ هل استقال وزير الداخلية لانكشاف فضيحة بهذا الحجم في وزارته كما يفعل غيره في الدول التي تستحي من أخطائها؟ هل هبّ مجلس الأمة وقال لا نبقى هنا مادام أحد لم يتحمل المسؤولية؟

أبداً. انتهت الجلسة برفض تقييد يد الحكومة لا بالمنح ولا بالسحب، وعاد كل إلى فراشه وكأن شيئا لم يكن.

ما الذي تتوقعون أن يفعله الناس حيال هذا الاستهتار؟ ولماذا تغضبون لو خرجوا للشارع أو أعلنوا غضبهم عليكم؟ هل تلومونهم؟ هل يلومهم أحد؟ ما فات يجب ألا يموت ويجب أن يبقى حيا حتى نحصل على حل، ولن تبقى الدولة وهي تدار بأسلوب المزرعة والحوطة.

موضوع الجنسية مشكلة مكررة لكثير من مشاكل البلد، حيث لا رقيب ولا حسيب، ويجب أن يتقي الله من بيده وقف هذه الأمور، وقبل أن يصل الناس إلى حالة الغليان، أقولها ويدي على قلبي خوفا ورعبا أن يظلوا في غيهم واستخفافهم بنا، فيضيع بلدي ونندم كلنا بعد فوات الأوان.