مصر : أقباط يحمّلون «الخطاب الديني» السائد مسؤولية الاعتداءات عليهم

نشر في 12-04-2017
آخر تحديث 12-04-2017 | 21:45
أقباط أمام محل لبيع الرموز والكتب الدينية المسيحية بحي شبرا شمال القاهرة أمس (أ ف ب)
أقباط أمام محل لبيع الرموز والكتب الدينية المسيحية بحي شبرا شمال القاهرة أمس (أ ف ب)
لسنوات كان القبطي ميشيل فهمي يسمع بغضب خطيب المسجد المجاور لمنزله يدعو على المسيحيين بالسوء، وهو الآن يعتقد أن هذا "التحريض" سبب رئيس في وجود انتحاريين مستعدين لمهاجمة الكنائس.

وتبنى تنظيم "داعش" الهجومين على الكنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية، اللذين أوقعا في يوم أحد السعف (الشعانين) 47 قتيلا في أسوأ اعتداءات منذ سنوات، كاشفا أن انتحاريين اثنين نفذاهما.

وقبل أربعة أشهر فجر انتحاري نفسه في كنيسة القديسين بطرس وبولس في القاهرة، مما أسفر عن سقوط 29 قتيلا.

ويقول فهمي (50 عاما) الذي يدير مكتبة تبيع مقتنيات وتحفا مسيحية في حي شبرا ذي الغالبية المسيحية إن خطب الجمعة "في المسجد تدعو بالسوء على المسيحيين، وتحرض على العنف، الشباب يشحن بالكراهية ضدنا وينفذ ما يسمعه".

ويضيف بأسى: "بالطبع الإساءة الى المسيحيين في المساجد تضايقنا جميعا، وينتج عنها إرهاب ضدنا".

وتتراصف صلبان خشبية كبيرة في واجهة المتجر الزجاجية الضيقة بجوار تماثيل متوسطة الحجم للمسيح والعذراء مريم.

ويتابع فهمي أن "المجتمع نفسه لا يعلم الصغار أننا (المسلمون والأقباط) إخوة وأحباء وأبناء وطن واحد. التنشئة لها دور كبير"، فيما كان الحزن والوجوم يسيطران على وجوه المارة الأقباط الذين يتسوقون في صمت، استعدادا لعيد القيامة الأسبوع المقبل.

وشكا عدد من الأقباط الذين تحدثوا لـ "فرانس برس" أنهم يسمعون أدعية ضد المسيحيين عبر مكبرات الصوت في خطب الجمعة، وفي القنوات الإسلامية الفضائية الخاصة التي تزايد عددها بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2011.

ولكن السلطات المصرية أغلقت هذه القنوات، وأوقفت بثها فور إطاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو 2013.

وتحاول وزارة الأوقاف ضبط خطب الجمعة، وتحدد سلفا المواضيع التي يتناولها الائمة في هذه الخطب، إلا انها لا تستطيع السيطرة على كل المساجد، وخصوصا ما يسمى في مصر بـ "الزوايا"، وهي مساجد صغيرة تنشأ بجهود ذاتية في المناطق الشعبية خصوصا.

وفي متجر ملابس مجاور، لاتزال البائعة القبطية ليليان أنيس (23 عاما) تتذكر بحزن تعرضها للمضايقة في المدرسة.

وتقول: "في المدرسة كان البعض يرفض الحديث معي لأنني مسيحية. أتذكر ذلك جيدا، وبالطبع كان ذلك يضايقني". وتعتبر ليليان أن المشكلة تبدأ في المدرسة "عندما يتم التفريق بين الأطفال في المدارس. هذا مسلم وذاك مسيحي". وتشكو قبطيات مثل ليليان من تعرضهن لمضايقات وتحرشات، مثل ألوف المصريات، لكن ذات طابع طائفي، وهي تقول: "أسير خائفة في الشارع. أخشى أن يضايقني أحد بأي كلمة أو فعل. لم يعد هناك أمان".

ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة الى "تجديد الخطاب الديني"، معتبرا انه ينبغي مراجعته وتنقيته من الأفكار المتطرفة التي تدعو الى العنف، والتي تشكل مرجعية للفكر الجهادي.

ولكن معارضي السيسي يؤكدون أن هذه الدعوة ظلت حبرا على ورق، ويدللون على ذلك بالعديد من الأحكام التي صدرت خلال العامين الأخيرين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.

وكان من أبرز من حوكموا بهذه التهمة أخيرا الباحث في الشؤون الإسلامية إسلام البحيري، الذي قضت محكمة مصرية في نهاية ديسمبر 2015 بحبسه سنة بعد سلسلة حلقات تلفزيونية قدم فيها تفسيرا للإسلام أغضب الأزهر الذي اعتبره إساءة لتراث السلف.

وخرج البحيري من السجن نهاية العام الفائت بعفو رئاسي شمل كذلك 81 من الناشطين السياسيين الشباب.

وبدأ الخطاب الديني التحريضي ضد المسيحيين بمصر في سبعينيات القرن الماضي، حين سمح الرئيس الراحل أنور السادات للإسلاميين بممارسة النشاط السياسي مجددا، لضرب معارضيه اليساريين في ذلك الحين.

وفي تسعينيات القرن الماضي، تعرض الأقباط المصريون خصوصا في الصعيد (جنوب) لاعتداءات من جماعات إسلامية مسلحة كانت تستهدف كذلك رجال الشرطة في ذلك الحين.

ويعتقد طالب الحقوق إبرام أنيس أن الإسلاميين الذين يمارسون العنف ضد الاقباط تعرضوا "لغسل أدمغة، نتيجة ما يسمعونه من تحريض ضد المسيحيين في الخطاب الديني الإسلامي في كل مكان".

ويتابع: "أعرف أن الإسلام دين سلام وبريء من العنف، لكن هذا ما يحدث في نهاية المطاف"، فيما كانت ترانيم كنسية تصدح من محل مجاور.

ويقول أنيس، الشاب الذي يضع صليبا كبيرا حول رقبته "نحلم أن نعيش في مصر في أمان لا أكثر ولا أقل".

وأضاف: "لا نريد سوى أن نسير في الشوارع في أمان دون خوف من أن يتعرض لنا أحد أو يضايقنا أحد".

وبالنسبة للعديد من المسيحيين فإن الحديث عن الوحدة الوطنية مجرد كلام لا يطبق.

وفي طنطا، كان البعض يهتف عقب تفجير الكنيسة "مسلم ومسيحي إيد واحدة". وعلق مواطن قبطي رفض الافصاح عن اسمه "هذا شعار أجوف ولا معنى له، لأن الدولة سلبية".

وتابع: "هناك هجوم علينا في الفضائيات، وهناك من يدعو الى عدم تهنئتنا في الأعياد، باعتبار أن ذلك محرما في الإسلام، ماذا فعلت الدولة لوقف ذلك؟".

وكان هذا المواطن القبطي يشير الى مواقف بعض قيادات التيار السلفي الذين يرفضون قيام المسلمين بتهنئة الاقباط في أعيادهم.

وهناك توتر وقلق لدى الأقباط من حدوث هجمات أخرى ضد كنائسهم.

وفيما كانت تمسك بيد ابنتها ماريا البالغة خمس سنوات، قالت الأم هالة بشرى باقتضاب: "أنا خائفة على ابنتي... الوضع مقلق".

back to top