مسرحية «هنا بيروت» عشية ذكرى الحرب اللبنانية 13 أبريل
أبطالها شباب مهمّشون ورسالتها التقريب بين مكونات المجتمع
في ذكرى الحرب اللبنانية (13 أبريل 2017)، قدّم شبان وشابات من أحياء بيروت الشعبية أول عمل مسرحي لهم، على خشبة {مسرح المدينة}، بعنوان {هنا بيروت}، من تنظيم جمعية {مارش}. باحوا خلال العرض بوجعهم على الملأ وصرخوا: «هنا بيروت!»، بيروت المتألمة، بيروت المريضة، بيروت المثخنة بانقساماتها، بيروت التي لن تندمل جراحها إلا باندمال الهوة بين أبنائها.
ينتمي الممثلون المشاركون في مسرحية «هنا بيروت» إلى مناطق بيروتية متنوّعة، تختلف طائفياً لكنها تلتقي حول وجع واحد، هو أنها مهمّشة اجتماعياً، تعاني الحرمان والفقر والبطالة ومشكلات أخرى تصيب الأجيال الجديدة في الدرجة الأولى، ولا تلقى أي اهتمام يذكر من الطبقة السياسية. من بين هذه الأحياء الخندق الغميق، وطريق الجديدة، والضاحية الجنوبية، وصبرا.الهدف من جمع هؤلاء الشباب على خشبة واحدة، تقريب المسافة بينهم، وردم الهوّة المصطنعة والسلبية (هوّة الطائفة والانتماءات الحزبية)، وإزالة الأفكار المسبقة من أذهانهم بواسطة سيناريو ساهموا في كتابته وصوغه بلحمهم الحيّ، بلا مواربة، كي يعكس يومياتهم بتفاصيلها وظلالها وندوبها وأوجه معاناتها.
الآخر والشراكة
تدور القصة في مقهى سمي {هنا بيروت}، تقف في وسطه مجموعة من الشباب يأتون من عتمة أحياء بيروت لخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى تحت أضواء المسرح. في أثناء انتظار دورهم للتقدم لاختبار الأداء، يصدح المذيع في الراديو بخبر حول انتحاري فار بين منطقتي بشارة الخوري ورياض الصلح، أي في محيط المقهى. فيبدأون بالبحث عن هذا الانتحاري الذي ربما يكون في وسطهم والتساؤل حول مواصفاته. ومن خلال مناقشاتهم تتكون مجموعة من الأفكار حول الآخر والشراكة في الوطن. جمعية {مارش} التي نظّمت المسرحية تركّز في معظم مشاريعها على جيل الشباب، تحديداً كيفية تخفيف حدة النزاعات الطائفية والسياسية بينهم، من خلال الثقافة والفن. وهي تحمل لواء النضال في سبيل حرية التعبير ومجتمع لبناني أكثر تسامحاً وانفتاحاً، وكانت لها تجربة سابقة مماثلة، سجّلت نجاحاً بين شباب جبل محسن وباب التبانة في طرابلس. ومع تطور المشاهد في مسرحية {هنا بيروت}، يتحوّل الوضع بين الشباب {المختلفين} والمتنازعين في الظاهر، من {أنا ضدّك أنت في سبيل الزعيم والغرائز الطائفية والقبلية} إلى {أنا وأنت ونحن جميعاً ضدّ كل ما ومَن يفرّق بيننا في سبيل مستقبلنا ومصلحة لبنان}. فالريبة من الآخر المختلف أحد أمضى الأسلحة للسيطرة على العقول والسلوكيات، ولا شفاء منها سوى بمبادرات من هذا النوع تقرّب بين المكوّنات المختلفة في المجتمع الواحد.يُذكر أن الشاعر والكاتب المسرحي يحيى جابر صاغ السيناريو وأشرف على التدريبات المسرحية، وأصرّ في نصّه المنتزَع من اعترافات الشابات والشبان على أن يسمّي المشكلات بأسمائها بلا خجل أو خوف، فيفضح ويعلي الصوت بلا وجل.كسر دوافع الحرب
تقول ليا بارودي، مديرة الجمعية، إن الأخيرة عندما أرادت تقديم مسرحية حول الشباب في بيروت، قصدت يحيى جابر المعروف بإضاءته على بيروت وثقافتها، ومن الطبيعي أن توكل إليه هذا المشروع، {وبدأنا سوياً تجارب الأداء لاختيار الممثلين}. تضيف: {المسرحية هي صدى لـ 13 أبريل 1975، تاريخ نشوب الحرب في لبنان. من خلال عملنا في الجمعية لاحظنا أن اللبنانيين لم يتعلموا من الحرب التي عصفت بهم، وهذا الأمر ينطبق على الجيل الجديد الذي لم يعش ويلاتها ولا يقدر الخطر الموجود، لذا أردنا كسر الدوافع التي تقود إلى الحرب... من هنا ولدت المسرحية بعدما حطّم التبادل في وجهات النظر الجليد بين مكونات المجتمع اللبناني}. تتابع: {لا شك في أن لتنفيذ هذا المشروع في بيروت دلالة رمزية، إذ يحمل رسالة سلام للبنان كله، ويندرج ضمن مشروع الجمعية الهادف إلى توفير فرص للجيل الجديد المهمش من خلال الفن والثقافة، وإفهام الشباب ألا فرق بينهم وأنهم قبل كل شيء مواطنون لبنانيون}. يذكر أن المسرحية تنقل عروضها إلى أكثر من مسرح في بيروت، من بينها مسرح فردان في 18 أبريل الجاري ومسرح دوار الشمس في 21 منه، والهدف من هذه الخطوة إيصال رسالة المسرحية إلى أوسع شريحة من المجتمع اللبناني.
الشاعر والكاتب المسرحي يحيى جابر صاغ سيناريو المسرحية وأشرف على التدريبات