قُدّمت أسباب عدة لقرار ترامب توجيه الأمر قبل أيام بضرب مطار سوري، لكننا لطالما سمعنا الافتراض أن القادة الغربيين يُضطرون على الأرجح إلى أخذ تأثيرات أي عمل يقدِمون عليه في الخارج في الحسبان لجبهتهم الداخلية، بخلاف القادة الروس الذين يتمتعون بحرية التصرف على هواهم، وهذا الافتراض خاطئ، إذ تشكّل ضربة ترامب الصاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية مجموعة من المخاطر المحتملة بالنسبة إلى القيادة الروسية، كما يتضح من خلال نبرة ردها وبين سطوره.في الأشهر الأخيرة نجح الروس في إقناع مجموعة واسعة من الأطراف المعنية بالصراع السوري بالانضمام إلى المحادثات في عاصمة كازاخستان آستانة، إلا أن الأميركيين لم يشاركوا، وكانت محاولاتهم الثنائية السابقة مع الروس للتفاوض بشأن وقف لإطلاق النار قد أخفقت، ومع استسلام أوباما الظاهري في مجال الدبلوماسية السورية، توقعت روسيا على الأرجح أن تكون وجهة نظر ترامب المعلنة أن الولايات المتحدة لا تملك أي مصلحة حيوية في الدفاع في سورية.
وخلال هذه المحادثات كان لغياب الولايات المتحدة في الواقع تأثير إيجابي فقد دفع ذلك تركيا وإيران إلى التركيز على الهدف الأهم (التوصل إلى تسوية في سورية) فبدل تأجيج عداوتهما المتأصلة والسعي إلى استرضاء حلفاء قدماء، وأرغم سقوط شرق حلب بيد قوات الأسد في شهر ديسمبر بعض قوات الثوار اليائسة إلى رؤية الواقع بوضوح، ونتيجة لذلك لاحظنا قبولاً ضمنياً لضرورة أن يشكّل الأسد جزءاً من الاتفاق المؤقت على الأقل في حال أردنا إنهاء الحرب من دون تقسيم سورية. لكن كل هذه الحسابات، التي منحت روسيا الأمل برعاية الصفقة النهائية والظهور بمظهر صانع السلام لا الحرب، تبددت في الهواء، ورغم كل التطمينات التي أكّدت فيها الولايات المتحدة أن هذه الضربة لن تتكرر فلا يسع موسكو إلا أن تشعر بالقلق، فقد شكّلت هذه الضربة في نهاية المطاف انقلاباً في سياسة ترامب المعلنة بوضوح، فهل ترغب الولايات المتحدة اليوم بمكان على الطاولة مما يشكّل تحدياً للدور الروسي؟ وهل تبث هذه الضربة الجرأة في قلوب القوات الثورية وتدفعها إلى تجديد قتال بدا خاسراً، مما يعيد إحياء دورة الحصار، والحصار المضاد، والموت، والتهجير التي شكّلت علامة بارزة في هذا الصراع؟وماذا عن تعهد ترامب الشهير، أو المشين في رأي البعض، بمحاولة تحسين العلاقات مع موسكو؟ بغض النظر عما إذا كنت تعتقد أن روسيا حاولت التلاعب بالانتخابات الرئاسية الأميركية أم لا (ولا أظن ذلك، مع أن لا تأثير له في الحجة المطروحة)، ثمة أدلة وافرة على أن روسيا، بعد فوز ترامب، كانت تواقة، لا بل يائسة من الإمساك باليد الأميركية عند مدها، هذا إن مُدّت.لكن المعمعة الدائرة في واشنطن حول اتصالات بين أعضاء من فريق ترامب ومسؤولين روس أدت إلى تأخير التقارب المتوقّع، كذلك فرضت على مَن اختارهم ترامب لحكومته أن يعربوا عن عداء لروسيا يفوق ما يكنونه لها فعلاً على الأرجح، وذلك بغية الفوز بموافقة مجلس الشيوخ على تعيينهم، وساهمت الضربة العسكرية قبل أيام في زيادة هذه الصورة تعقيداً، مما يصعّب على موسكو الإعراب في حماسة علنية أكبر لأي غصن زيتون قد يحمله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى روسيا بعد أيام.مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في روسيا السنة المقبلة، وضعف الاقتصاد، ونزول المتظاهرين المنددين بالفساد إلى الشارع في مدن عدة، يُعتبر الاصطدام بعقبات في الحرب في سورية ومواجهة الولايات المتحدة آخر ما يريده بوتين اليوم، فمن الصعب إظهار هذا الإخفاق بأي مظهر غير فشل سياسي مزدوج من النوع الذي يعجز حتى "بطل" القرم نفسه عن تحمّله. إذاً تحمل الجبهة الداخلية مخاطر بالنسبة إلى السياسيين، حتى الرؤساء، في روسيا أيضاً.*«ماري دييفسكاي»
مقالات - اضافات
لمَ تهز صواريخ ترامب جبهة بوتين الداخلية؟
14-04-2017