وسط مشاعر حزن تهيمن على احتفالات المسيحيين المصريين بأسبوع الآلام، الذي ينتهي الأحد المقبل بعيد القيامة المجيد، زار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، أمس، لتقديم واجب العزاء إلى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، في ضحايا الهجومين الإرهابيين اللذين استهدفا كنيسة مار جرجس بطنطا وكنيسة مار مرقس بالإسكندرية، الأحد الماضي، ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 46 مصريا أغلبيتهم من المسيحيين، فضلا عن عشرات المصابين، في هجوم إرهابي عد الأعنف ضد الأقباط منذ عقود.المتحدث باسم الرئاسة المصرية، علاء يوسف، قال إن السيسي أعرب خلال لقائه بالبابا، عن خالص تعازيه في «مصاب مصر الأليم من ضحايا الحادثين»، مؤكداً أن كل أجهزة الدولة ستبذل أقصى ما في وسعها لملاحقة مرتكبي تلك الأفعال الآثمة وتقديم كل من شارك فيها للعدالة في أسرع وقت، كما أعرب الرئيس عن خالص مواساته لأسر الضحايا والمصابين، مؤكداً أنهم سيلقون كامل الاهتمام والرعاية من الدولة.
وشدد السيسي على عزم الدولة المصرية في الاستمرار للتصدي للإرهاب والقضاء عليه، مشيراً إلى ثقته في وعي الشعب المصري بجميع طوائفه وإدراكه لحقيقة ودوافع من يدعمون الإرهاب الغاشم لبث الفرقة بين أبناء الوطن ومحاولة تقويض جهود البناء والتنمية واستعادة الأمن والاستقرار.وفي حين كلف رئيس الجمهورية الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة بإعادة ترميم كنيستي الإسكندرية وطنطا، أعرب بابا الأقباط عن شكره لحرص الرئيس على زيارة الكاتدرائية، مؤكداً أن الإرهاب لن ينجح في شق صف المصريين والنيل من وحدتهم واستقرارهم، وأن والوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هي السبيل الوحيد الذي يكفل سلامة مصر والقضاء على الإرهاب.
تواصل التحقيقات
زيارة السيسي جاءت بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية تحديد هوية منفذ تفجير كنيسة مار مرقس بالإسكندرية، في حين قال مصدر أمني رفيع المستوى لـ«الجريدة»، أمس، إن جهودا تبذل للتوصل إلى هوية مرتكب تفجير كنيسة طنطا بالغربية، وأشار إلى أنه تم التوصل إلى معلومات أولية، وأن المعلومات تؤكد وجود رابط وثيق بين منفذي التفجيرين، بما يساعد على التوصل بشكل دقيق إلى مفجر طنطا، متوقعا أن يتم الكشف عن هويته خلال ساعات، إذ يشرف جهاز الأمن الوطني على التحقيقات.يأتي ذلك في أعقاب إصدار وزارة الداخلية بيانا، مساء أمس الأول، كشفت فيه عن هوية منفذ تفجير كنيسة الإسكندرية، بعد فحص وتفريغ كاميرات المراقبة بموقع الحادثين «أمكن التوصل لتحديد منفذ حادث التعدي على الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وتبين أنه المدعو محمود حسن مبارك عبد الله، مواليد سبتمبر 1986 بقنا يقيم بحي السلام، بمنطقة فيصل بمحافظة السويس، وعامل بإحدى شركات البترول والمطلوب ضبطه، وإحضاره في القضية رقم 1040/2016 حصر أمن دولة».وأشارت الداخلية إلى أن المتهم تبين ارتباطه بإحدى البؤر الإرهابية التي يتولى مسؤوليتها الهارب عمرو سعد عباس إبراهيم، مواليد نوفمبر 1985 بقنا، ويقيم بها بالأشراف البحرية، وحاصل على دبلوم فني صناعي، وزوج شقيقة الانتحاري منفذ العملية الذي اضطلع بتكوين عدة خلايا عنقودية يعتنق عناصرها الأفكار التكفيرية الإرهابية، فضلاً عن قناعة بعضهم بالأسلوب الانتحاري لاستهداف مقومات الدولة ومنشآتها وأجهزتها الأمنية ودور العبادة المسيحية.وكشفت الداخلية أنه سبق لإحدى خلايا هذه البؤرة ارتكاب حادث تفجير الكنيسة البطرسية الأرثوذكسية بالعباسية، في ديسمبر الماضي، بينما اضطلعت خلية أخرى بالهجوم على كمين النقب بالوادي الجديد، كما تم توجيه ضربة أمنية مؤخراً لخلية ثالثة تابعة لذات البؤرة أسفرت عن مصرع سبعة من كوادرها أثناء ملاحقتهم في محافظة أسيوط الاثنين الماضي، وأعلنت وزارة الداخلية عن مكافأة مالية قدرها مئة ألف جنيه لمن يتقدم بمعلومات تساعد أجهزة الأمن في ضبط أي عنصر من الهاربين المذكورين.إبطال قنبلة
في غضون ذلك، أثار «كيس أسود» أسفل مقعد بحوش كنيسة السيدة العذراء للأقباط الأرثوذكس بحي شبرا شمالي القاهرة، أمس الأول، حالة فزع ورعب داخل الكنيسة، وفور إبلاغ الشرطة، حضر خبراء المفرقعات وتم العثور بداخل «الكيس» على قنبلة بدائية الصنع، تم إبطال مفعولها، وأكد مصر أمني أن القنبلة كانت معدة للانفجار صباح أمس.تنمية الصعيد
في السياق، قال مصدر أمني لـ»الجريدة»: «لاحظنا أن أغلب المطلوبين في حادثي الكنيستين، من محافظات جنوب مصر، ما يدلل على الحاجة إلى الاهتمام بجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية بهذه المحافظات، ولا سيما ما يتعلق بتشغيل الشباب، والعمل على توفير فرص عمل، وتنظيم قوافل ثقافية دينية وتوعية، والاهتمام بالأنشطة الرياضية والفكرية، بما يحافظ على عقول الشباب من الاستقطاب من قبل أصحاب الأفكار التكفيرية والمتطرفة، مستغلين الفراغ الفكري والثقافي والحالة الاقتصادية لهم».وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية، سعيد صادق، لـ»الجريدة»، إن «محافظات الصعيد يتم استهداف شبابها لتجنيد عناصر جديدة بسبب ارتفاع معدلات الفقر، إذ إن 70 في المئة من أهالي الصعيد يعانون من الفقر، فضلا عن انتشار قيم العنف وحمل السلاح بين الأهالي»، في حين رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس، أحمد يحيى، أن الطبيعة الجغرافية للصعيد، حيث توجد عدة جبال تستخدم كمخابئ للعناصر المتمردة، هي ما جعلت محافظات الصعيد مقصدا للعناصر الإرهابية.دوائر الإرهاب
وبينما تعيش مصر حاليا في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ الاثنين الماضي، وفي مؤشر عن اتجاه الحكومة المصرية لإجراءات تسرع من محاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب، قرر وزير العدل المستشار حسام عبدالرحيم، تكليف مساعده لهيئة أبنية دور المحاكم والشهر العقاري، المستشار عبد الهادي محروس، بإعداد الدراسات الفورية والرسومات الهندسية اللازمة لزيادة عدد قاعات الدوائر الجنائية التي تنظر قضايا الإرهاب بالمحاكم في أقرب وقت ممكن.