سورية: عزلة موسكو تتسع بعد «الڤيتو الثامن» ووقف الحرب مرهون بإزاحة الأسد
إيران في عين العاصفة من جنوب سورية إلى جنوب لبنان
استخدام روسيا حق النقض في مواجهة مشروع قرار فرنسي - بريطاني - أميركي حول الهجوم الكيماوي في خان شيخون، كان أمراً بديهياً، لكنه أيضاً كان تصعيداً مقصوداً من الدول الثلاث لإجبار موسكو على اتخاذه.روسيا بدت عاجزة ومعزولة سياسياً ودولياً بشكل غير مسبوق، لاسيما أن الصين، شريكتها في استخدام «الفيتو» بالملف السوري، نأت بنفسها هذه المرة، في ظل قواعد سياسية بدا واضحاً اختلافها عن حقبة الإدارة الأميركية السابقة، وهو ما أصاب الكرملين بالذهول لأنه لم يستطع قراءة تلك المتغيرات على محمل الجد.
وتقول بعض الأوساط السياسية الأميركية إن واشنطن لم تتزحزح عن صيغة المشروع كما قدمته إلى مجلس الأمن، لأنها كانت تريد من موسكو أن تنقضه، ليكتمل المشهد السياسي، الذي ظهرت فيه روسيا وكأنها الطرف المنفذ للغارة الكيماوية على خان شيخون لا نظام بشار الأسد وحده.وتعتبر تلك الأوساط أن مجرد تراجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن امتناعه عن استقبال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، يشكل خسارة سياسية إضافية، ونتيجة مباشرة لتداعيات الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات.الكرملين أشاع أن بوتين لن يلتقي تيلرسون في رسالة اعتراض وغضب، لكن تصريحات وزير خارجيته سيرغي لافروف، خلال مؤتمره الصحافي المشترك معه، وإعلانه قبول الرئيس بعودة التنسيق الجوي والأرضي بين القوات الروسية والأميركية فوق سورية، شكلا خسارة ثانية للدور الروسي. هكذا قَرئت التعليقات، التي حفل بها الإعلام الأميركي، سواء كان معارضاً للرئيس دونالد ترامب أو مؤيداً له.وفي اعتقاد أوساط أميركية عدة أن المتابعة الحقيقية ينبغي أن تركز من الآن فصاعداً على الضغوط التي ستتوالى على الدور الإيراني والميليشيات التابعة، وخصوصاً «حزب الله» اللبناني، إذ تشير التكهنات كلها إلى أجواء غير مريحة ممتدة من جنوب سورية إلى جنوب لبنان!وتشير تلك الأوساط إلى الاستعدادات الجارية على جبهة درعا- القنيطرة، مع تداول أنباء عن استدعاء ضباط سوريين منشقين للالتحاق بتشكيلات في تلك المنطقة، وعن دور إسرائيلي صامت في تهيئة الظروف الملائمة، لاسيما أن هدف تقليص دور إيران في سورية والمنطقة يلتقي مع رغبات إسرائيل في هذا المجال.لكن الأوساط تشير إلى أن الأزمة السورية دخلت طوراً جديداً، مع تغير اللهجة المستخدمة سواء من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية أو باقي الدول الغربية، ضد حكم عائلة الأسد، مترافقاً مع صمت دولي عن انتقاد الضربة الأميركية التي جرت الأسبوع الماضي.وتقول إن سورية النظام والكيان، قد تكون دخلت طور النزاع الأخير، في ظل مؤشرات على قرب انهيار التركيبة السياسية والصيغة التي قام عليها حكم تلك العائلة في الماضي، وكذلك على انهيار صيغة الكيان السوري المبني بعد نهاية الاستعمار الفرنسي، لمصلحة دويلات شبيهة بالكيانات كانت قائمة قبل الاستقلال، مع تطور الحديث عن المناطق الجغرافية والسياسية شمال البلاد وشرقها وجنوبها إلى وسطها مع الساحل. وترجح تلك الأوساط أن يكون الوزير تيلرسون قد اتفق مع روسيا على إقامة المناطق الآمنة شمال سورية. ومع تسارع الخطوات العسكرية الأميركية بعد السيطرة على مطار الطبقة العسكري، تبدو واشنطن مصممة على إقامة منطقة جغرافية واسعة وحمايتها، من الحدود مع المناطق التي تسيطر عليها تركيا، باتجاه الحدود العراقية، نزولاً إلى مدينة دير الزور جنوب شرق سورية، خلال معركة استعادة مدينة الرقة.ومع بدء توسيع الشريط الجنوبي تمهيداً لتطهيره من الوجود الإيراني، تكون واشنطن متجهة لإعادة تحديد أدوار كل القوى المتورطة في النزاع السوري، في ظل استحالة الاتفاق مجدداً على كيفية إعادة الحفاظ على سورية موحدة، حتى ولو لم يجر الاعتراف بهذه الحقيقة رسمياً.وبما أن الإدارة الأميركية لا تزال تؤكد أن الأولوية في سورية هي لهزيمة تنظيم «داعش»، فإن التقسيم الواقعي قد يكون هو الخيار غير المعلن والوحيد المتاح في هذه المرحلة، تمهيداً لفرض وقف الأعمال الحربية من مدخل إزاحة عائلة الأسد من السلطة لضمان تحقيق هذا الهدف خلال الأشهر المقبلة.