تراجعت تقلبات الفوركس بشكل ملحوظ في الربع الأول من عام 2017، رغم خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والغموض الذي يكتنف سياسة الاتحاد الأوروبي قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل / مايو، وكذلك عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن المضي قدما في تنفيذ ما قطعه من وعود في حملته الانتخابية، وتكريس جهوده للهجوم على وسائل الإعلام، واتهامه الآخرين بالتآمر عليه. ومن المحتمل أن يشهد الربع الثاني من عام 2017 تراجعا في حالة انعدام اليقين على صعيد سياسة الاتحاد الأوروبي، لاسيما أننا مقبلون على المرحلة التالية من الانتخابات الفرنسية، بينما تساهم أسعار السوق الملائمة في عودة النمو الأوروبي.

أما في الولايات المتحدة فيجب أن نرى ما إذا كان ترامب سيبقى عالقا، نظرا لعجزه عن التعامل مع «المستنقع السياسي» في واشنطن، أم سينجح في حشد الأغلبية الاستثنائية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب لتمرير السياسات التي طال انتظارها، والتي من المحتمل أن تعزز قوة الدولار. على أي حال، نعتقد أن الهدوء الملحوظ في التقلبات خلال الربع الأول (والذي أدى في بعض الأحيان لهبوط تقلبات خيارات الفوركس إلى أدنى مستوياتها منذ 2014)- سيفضي إلى حالة سوق أكثر تقلبا، استنادا إلى معطياتنا عن الأحداث الرئيسية، مع وصول مستويات الإقبال على المخاطر للربع الحالي إلى أقصى حدودها في الربع الأول.

Ad

سياسة ترامب التجارية

بالحديث عن الولايات المتحدة الأميركية، استهل ترامب مشواره الرئاسي مواجها صعوبات جمة لإقناع السوق بأن وعود حملته ستتبلور على شكل سياسات حقيقية في أي وقت في المستقبل المنظور. ومع ذلك، ورغم كل هذه العقبات، ما زال ترامب يتمتع بالأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب، والتي تبقى شرطاً أساسياً لصياغة السياسات.

وبالنظر إلى الدورة الانتخابية المقبلة في 2018، يدرك الحزب الجمهوري أنه سيكون محطة للوم أو المدح (تبعاً للوضع الاقتصادي في ذلك الوقت) عن سياسات ترامب، وحتى الجمهوريون المناهضون لترامب سيحاولون على الأرجح الحصول على مكاسب بناءة مع ترامب خلال الفترة الانتقالية. ولذلك لن نعول على انتهاء حظوظ ترامب، رغم أن التوقيت لا يزال غير مؤكد.

ومن المفترض أن يتيح الربع الثاني أرضية أكثر رسوخاً لتكوين التوقعات بعد فترة مطولة من الفشل منذ تنصيب ترامب؛ ونشير إلى أننا نركز على ترامب قبل مناقشة بنك الاحتياطي الفدرالي، إذ نتوقع أن تعديلات الاحتياطي الفدرالي على الإرشادات الحالية (مع تحديده في أواخر مارس قيمة أربع خطوات قادمة لرفع أسعار الفائدة على مدى الأشهر الـ18 المقبلة) ستقتصر فقط على أي مفاجآت في البيانات أو على السياسات الجديدة التي تنتهجها إدارة ترامب.

وثمة مخاطر باتجاهين بالنسبة للدولار خلال الربع الثاني يتوقف معظمها على ترامب، على الرغم من أن احتمال صعوده قد ازداد بسبب الشكوك المتنامية في السوق.

انتعاش اليورو؟

نجح اليورو في اجتياز حالة انعدام اليقين السياسي التي شهدها في الربع الأول من 2017، وهذا مرده إلى قوة البيانات الواردة من مختلف أنحاء أوروبا، وتصريح رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، بأن المنظور تحسن بما فيه الكفاية، وأنه يجدر بالمركزي الحد من قلقه إزاء مخاطر الهبوط.

واتخذ السوق خطوة أبعد من ذلك عبر البدء بتحديد قيمة أول عملية رفع لسعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي بحلول مطلع العام المقبل. وبالنظر إلى منحنى العائدات، فقد ارتفعت معدلات الفائدة الأوروبية بالفعل أكثر من نظيراتها في الولايات المتحدة خلال الربع الأول، ما أبقى اليورو بعيدا عن المستويات المتدنية التي شهدها مع دخول العام الجديد.

ومن المرجح أن يكون هناك مزيد من الارتفاع في معدلات الفائدة إذا خفت حدة المخاوف حيال الانتخابات الفرنسية مع تراجع زخم مرشحة اليمين مارين لوبان، وكذلك إذا شهدنا المزيد من التعديلات على توقعات أسعار الفائدة خارج إطار المنحنى في انتظار قيام البنك المركزي الأوروبي بتخفيضها.

ويجدر التنويه إلى إحدى المسائل الهامة على المدى الطويل (رغم أنه قد يكون من السابق لأوانه الحديث عنها في الربع الثاني) تتمثل في كيفية تعامل البلدان المحيطية الأوروبية، وأهمها إيطاليا، مع تخفيضات المركزي الأوروبي التدريجية إذا لم يكن ثمة جهد للشروع في إصدار سندات الاتحاد الأوروبي؟ للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، ندعوكم لقراءة توقعاتنا عن أداء الفرنك السويسري.

الصين تشدد الخناق على نمو الائتمان

ضخت الصين سيولة هائلة في منظومتها الاقتصادية خلال عامي 2015 و2016 لتنشيط النمو وتفادي حدوث أزمة ائتمانية، كما خفضت قدرات القطاعات الرئيسية مثل الفحم والصلب، بهدف دعم الأسعار وتجنب الضغط على الشركات المملوكة حكومياً والمثقلة بالديون. وعلى مدى الأشهر القليلة المنصرمة قامت الصين أيضاً بالحد من مخصصات السيولة وشددت الشروط الائتمانية مع دخول الربع الثاني.

ولا تقتصر أهمية التوجهات الائتمانية الصينية على الصين فقط، بل تعتبر مهمة للنشاط الاقتصادي العالمي. ومن المرجح أن يكون لسحب السيولة أثر متزايد في الربعين الثاني والثالث، ما قد يفضي إلى بدء تراجع حدة الحماس على السلع والاقتصادات المرتبطة بالصين.

ومن عملات مجموعة الدول السبع الكبار، سنخص بالذكر أستراليا، على اعتبار أن الصين تمتلك الآن مخزونات هائلة من أهم الصادرات الأسترالية، ألا وهي فلذات الحديد الخام. ويشار هنا إلى أن حماسة الإقبال على الأسواق الناشئة يمكن أن تنخفض في العموم كنتيجة لبوادر تباطؤ النمو الصيني.

بنك اليابان مقبل على صعوبات

لم يكن بنك اليابان يحلم بتوقيت أكثر إيجابية عندما تحول إلى سياسة التحكم في منحنى العائد، إذ تزامنت الخطوة مع ارتفاع كبير في عائدات الولايات المتحدة، ما أدى إلى اتساع الهوة بين اليابان وبقية دول العالم، ودفع باتجاه إجراء تعديلات على العملة اليابانية أكثر من سوق السندات.

وفي أواخر الربع الأول انتعش الين الياباني في ظل ظروف قاسية مع ضعف في الإقدام على المخاطر، ما أدى أيضاً إلى انخفاض حاد في عائدات الولايات المتحدة مع بوادر التعثر التي بدت على سياسة ترامب الاقتصادية.

وأكدت هذه الظروف مدى حساسية الين الياباني للعائدات والإقبال على المخاطر على حد سواء، وهما عنصران غالبا ما يتحركان معاً في الأوقات التي تسودها أجواء من التوتر. وإذا شهدنا مزيدا من الإحباطات من حيث عدم إحراز أي تقدم في سياسة ترامب التجارية، وكذلك في انتعاش التجارة العالمية (من المحتمل أن يكون ذلك مرتبطاً بمخاوف الصين) مع حدوث تصحيح واضح في الإقبال على المخاطر، فإن هذه العوامل جميعها قد تسمح للين الياباني بتحقيق مكاسب قوية في بعض الأحيان خلال الربع الثاني، لاسيما مقابل العملات التي شهدت شعبية أكبر خلال الأشهر الـ15 الفائتة، مثل عملات الأسواق الناشئة والعملات المرتبطة بالسلع.

الجنيه الإسترليني... ترقّب حذر

وفقاً لكل الحسابات، يبدو الجنيه الاسترليني رخيصاً جداً في التداولات التجارية، رغم أنه كان أضعف بكثير مقابل اليورو خلال الأزمة المالية العالمية، ومن المؤكد أن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني له مبرراته نظراً للعجز المزدوج الكبير في المملكة المتحدة، وحالة انعدام اليقين التي تخيّم على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ونعتقد أن المملكة المتحدة ستحصل في نهاية المطاف على صفقة معقولة مع القارة العجوز، ونرى أن احتمالات صعود الجنيه الاسترليني على المدى الطويل تعتبر كبيرة من حيث أسعار الصرف عند النظر إلى الصورة الكاملة. وتتمثل المشكلة الأساسية بالنسبة لنا في التوقيت. فهل حان الوقت الآن؟ أم يتعين علينا الخوض في مزيد من التفاصيل حول النقاط الشائكة في مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؟ ولا بد من الإشارة إلى أن هذه العملية لن تتم بشكل جدي إلا بعد الانتخابات الألمانية، وإذا شهدت تلك الانتخابات منافسة محتدمة فلن يكون بوسع السوق تحديد الجانب الذي ستتفاوض معه لندن.

والأهم من كل ذلك أن عملية خروج المملكة المتحدة قد تستغرق سنوات عديدة حتى تتضح ملامحها، وهذا قد يدفع السوق إلى خفض «حسومات انعدام اليقين» بالتدريج.