إشكالية ما بعد التفجيرات... دولة المواطنين
كثيرة ردود الفعل التي خرجت بعد التفجيرات التي شهدتها كنائس مصر الأسبوع الماضي، ومن بينها عودة الحديث مرة أخرى عن مفاهيم المواطنة، والأهم كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تكون طرفاً فاعلاً في تأصيل أو تدمير هذا المفهوم.إحدى أكثر الكلمات شيوعا منذ فترة هي المواطنة، وهي مفهوم أكثر منها مجرد تعبير، رغم أن البعض في هذه المرحلة انتهك ذلك المفهوم ولم يدرك البعض الآخر أهميته، بل تعامل معه بلا فهم، وفي أحيان كثيرة بتجاهل، ولعل أهم ما يجب أن نقف عنده قبل الحديث عن مفهوم المواطنة أن نحاول الربط بينه وبين ممارسة الديمقراطية، وكذلك تحديد الفارق بين أن أكون مواطنا أو أكون مجرد واحد من الرعية، وهذا ما لفت نظري في ورقة مهمة حول مفهوم المواطنة لأحد مراكز الدراسات التي أكدت أنه لا يمكن ممارسة الديمقراطية دون تطوير وتكريس المواطنة، لأن المواطنة هي الإمكانية الوحيدة لتكريس سيادة القانون، والمساواة أمامه، ولممارسة الحد الأدنى من الحقوق، ومن ذلك المطالبة بالحقوق.فإذا كان المواطن يتوقع حقوقا سياسية بحكم كونه مواطنا، وكونه دافعا للضرائب، فإن الرعية لا تتوقع حقوقا سياسية، وإنما التعامل بالحسنى والتسامح، لذلك تكون المواطنة هي المنطلق للمطالبة بالديمقراطية بغرض الوصول إلى السلطة وتوسيع مفهوم المواطنة، فغياب المواطنة يقوض من جدلية العلاقة القائمة بين المواطن والمجتمع المدني والدولة، علماً أن الدولة في غياب المواطن لا يمكنها، وإن حاولت، تجسيد مفهوم وفكرة سيادة الشعب، كما أن الرعية المحكومة في غياب المواطنة لا يمكنها تجسيد مفهوم الحقوق على أرض الواقع أو المساهمة في تطويرها، ففي عصرنا الحالي تشتق جملة من حقوق الفرد من مواطنته، أي من كونه مواطناً في الدولة، وبذلك تكون الدولة الديمقراطية هي دولة المواطنين.
وهنا سأقف عند النقطة الخاصة بعلاقة الإعلام بالمواطنة وتأصيل المفاهيم الإيجابية لها، فقد توصلت إحدى الدراسات إلى مجموعة من النتائج يمكن تحديدها فيما يلي: أولاً: إن هناك نوعين من الإعلام هما: -الإعلام الإيجابي (إعلام المواطنة) ويقصد بإعلام المواطنة أن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام، وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع، هناك هموم للفقراء، وهموم للمرأة، وهموم للمسيحيين، وهموم للعمال... إلخ، من الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في وسائل الإعلام، وكلما وجد المواطن- العادي- مساحة تعبير ملائمة عن همومه في وسائل الإعلام كان ذلك مؤشرا على أن الإعلام ذو طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن.- الإعلام السلبي: وعلى العكس مما سبق، هناك إعلام يؤدي دورا ضد ثقافة المواطنة، سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع، أو بتفضيل التعبير طبقياً أو سياسياً أو ثقافياً أو دينياً عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم، وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا حين يوظف الإعلام ذاته- كأداة صراع- سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو دينيا، من خلال تأليب مجموعات من بعض المواطنين على بعض، أو نشر ثقافة البغضاء في المجتمع، أو تصوير قطاعات من البشر على نحو يجعل غيرهم من المواطنين يتعاملون بتسامٍ غير مبرر معهم.ثانيا: أبرز سمات الممارسة الإعلامية في هذا المجال: حيادية باهتة ومواطنة ناقصة حيث تعاني الكثير من وسائل الإعلام في بلادنا غياب الحياد بمعناه الإيجابي، فهي لا تتحيز للمصلحة الوطنية العليا، لكن يغلب عليها في كثير من الأحيان الرغبة في الانتشار أو ممالأة السلطة أياً كان الثمن.