متاعب تواجه العملات الصغيرة في القارة الأوروبية
إذا استمرت سياسة منطقة اليورو النقدية في تسهيل التعافي الاقتصادي وخفض معدلات البطالة فسوف تتبدد الشكوك إزاء اليورو في نهاية المطاف مع الإدراك بأنه من الأفضل أن تكون الدولة جزءاً من العملة المشتركة بدلاً من البحث عن حلول مؤقتة، ثم السعي إلى عملية إصلاح بوسائل صعبة.
يستمر الغليان والاضطراب بالنسبة الى العملات الصغيرة في أوروبا، وتوشك جمهورية التشيك على فك ارتباط عملتها – الكورونا – باليورو، كما أن آيسلندا تبحث عن آلية لتقييم العملة، ويكمن الجانب المؤلم في هذه القرارات في أنها تعطي حكام البنوك المركزية الوهم المتمثل في السيطرة والتحكم ولكن يبدو أن ربط العملات قد تجاوز حدود فائدته.ويقول صندوق النقد الدولي إن 59 في المئة من أعضائه كان لديهم عملة مرتبطة بدولة اخرى في سنة 2008، وقدانخفضت هذه النسبة اليوم الى أقل من 43 في المئة، وقد تم بقدر أكبر فك الارتباط بالدولار على الرغم من أن اليورو فقد أيضاً البعض من بريقه.في غضون ذلك تصبح عمليات ربط العملات قاسية ومؤلمة ويصعب الدفاع عنها عندما تتوقف عن أداء الدور الذي كان مخططاً لها، ولكن التخلص من هذا الأسلوب قد يكون أكثر ايلاماً وصعوبة.
المفاجأة السويسرية
وقد أثرت "المفاجأة السويسرية" في شهر يناير من عام 2015 عندما قررت سويسرا بصورة مفاجئة التخلي عن ربط عملتها باليورو على النمو الاقتصادي فيها ورفعت من معدلات البطالة لأن الهزة التي تعرض لها الفرنك السويسري كانت آخر شيء يحتاج اليه الاقتصاد القائم على التصدير هناك على الرغم من الصعوبة التي كانت تواجه البنك الوطني السويسري في الحفاظ على عملية ربط الفرنك.وتواجه جمهورية التشيك حالة مماثلة في الوقت الراهن، ومنذ سنة 2013 أبقت عملتها الكورونا منخفضة عن طريق ربطها باليورو. وقد أفضى ذلك الى زيادة ثابتة في الميزان التجاري الايجابي ولكن أموال المضاربة بدأت بالتدفق على ذلك البلد وكان أن ارتفع احتياطي البنك الوطني التشيكي من العملات الدولية بنسبة 59 في المئة خلال الـ 12 شهراً المنتهية في 29 فبراير، ولكن مع اندفاع البنك المركزي نحو شراء اليورو ارتفع التضخم الى 2.5 في المئة وهو أعلى مستوى له منذ سنة 2012.وكانت البلاد، في الظاهر، مهيأة لما وصفه المراقبون بعملية "تشيكزت" وهي خطوة اعتبرت ابتعاداً عن منطقة اليورو، وكان السؤال يومها هو ماذا ستفضي اليه هذه الخطوة بالنسبة الى الاقتصاد التشيكي؟ الأرجح أنها سوف تماثل ما حدث مع الفرنك السويسري في سنة 2015، حيث سترتفع قيمة العملة وتنكمش الصادرات وتتراجع السياحة ويتم فقدان فرص العمل كما أن الحكومة سوف تبدأ بالبحث عن مصادر جديدة للنمو لا تتعلق بالتصدير.الوضع في أيسلندا
يعلم سكان أيسلندا ماذ سوف يحدث عندما تتدفق الأموال بشدة على ذلك البلد مدفوعة بمعدلات عالية من الفوائد، وفي الآونة الأخيرة عمدت أيسلندا الى ازالة معظم قيود العملة التي نجمت عن محاولتها الجريئة لاصلاح ذيول الأزمة المالية العالمية.ولا يزال البنك المركزي في أيسلندا يسيطر على طرق تحجيم التدفقات المالية الأجنبية وتوجد متطلبات تتعلق بمحافظ المستثمرين الأجانب، ولكن على الرغم من ذلك ارتفعت عملة ذلك البلد بنسبة 16 في المئة منذ بداية سنة 2016. ويشكل هذا تهديداً للمحرك الوحيد للنمو في آيسلندا والمتمثل في السياحة. وقد انجذب السياح الى أيسلندا بعد أن تعافت من الأزمة وغدت رخيصة بفضل القيود على رأس المال ولكنها في حاجة الآن وبعد زوال تلك القيود الى وسائل جديدة لابقاء عملتها منخفضة القيمة، كما أنها في حاجة أيضاً الى طرق من أجل خفض التقلبات في معدلات الصرف التي تجعل من الصعب بالنسبة اليها وضع أي نوع من الخطط في المستقبل. للوهلة الأولى يبدو ربط العملة منطقياً، ولكن وزيرالمالية في آيسلندا بندكت جوهانسون أوضح أن ذلك سوف يؤثر على النشاط التجاري في بلاده، وقد أبلغ صحيفة فايننشال تايمز أنه عندما يتم تحديد عملة فإن ذلك سوف يغير المستقبل أيضاً، وسوف يتعين عليك القيام بمزيد من العمليات التجارية بتلك العملة.الوضع في الدنمارك
هذا ما حدث في الدنمارك التي ربطت عملتها الكرون طوال أكثر من 30 سنة بالمارك الألماني ثم باليورو، ثم أصبح اقتصاد ذلك البلد متداخلاً بشدة باقتصاد ألمانيا ثم بمنطقة اليورو برمتها، وكان من الصعب في بعض الأوقات الدفاع عن عملية الربط – وخاصة خلال العامين الماضيين عندما كان الكرون الدنماركي يعامل في أغلب الأحيان مثل عملة ملاذ آمن ضد ضعف اليورو، وليس من الواضح ما هي فوائد الدنمارك اذا التزمت بالدفاع عن الارتباط مهما كان الثمن – كما شددت سلطاتها النقدية مراراً – ولكنها ليست عضواً رسمياً في منطقة اليورو.والاحتفاظ بالعملة ليس كما يتصور البعض على الرغم من أن ذلك – من وجهة نظرية – يسمح للدولة بتحسين التنافسية من خلال خفض قيمة العملة، كما أن الجانب السلبي يمكن أن يكون أكبر في عالم التمويل العالمي والكتل التجارية الضخمة، وإدارة تدفقات العملات المنافسة تتطلب فطنة وبراعة من الجهات التنظيمية وقوة اقتصادية مؤثرة تجعل البلاد أقل اعتماداً على تقلبات معدلات الصرف، ويتمثل أحد الحلول في تحرير العملة، وهي الخطوة التي ساعدت في السنوات الأخيرة روسيا وبولندا بشكل جيد وسمحت لهما بمواجهة الاضطرابات الاقتصادية بصورة فعالة. ولكن تعويم العملة يتطلب جرأة ومرونة سياسية، وقد يشعر الناخبون بأنهم تعرضوا لإهمال عبر اقتصاد يعتمد على المنافسة في الأسعار وقد ساعد ذلك الاستياء حزب "بي آي إس" في بولندا على الوصول إلى السلطة، وتمكنت روسيا من قمع الاحتجاجات الاقتصادية، ولكن تلك الطرق يمكن أن تنجح بصورة مؤقتة فقط.الفكرة الأفضل لأوروبا
وبالنسبة الى الدول الأوروبية الصغيرة يعتبر الانضمام الى اليورو فكرة أفضل من ربط عملتها، كما أنه من المنطقي ادراك أن أكبر الشركاء التجاريين هم في منطقة اليورو، والتوقف عن هدر الطاقة في الحفاظ على عملات صغيرة والدفاع في وجه المضاربين وتحمل الذيول المؤلمة بعد ذلك، وهذا ما فعلته سلوفاكيا التي تبنت اليورو في سنة 2009، وقد حققت أداء اقتصادياً جيداً أفضل من الدول التي احتفظت بعملتها، وقد لاحظت بلغاريا هذا الجانب وهي تدرس الآن خطوة تهدف الى تبني العملة المشتركة. وإذا استمرت سياسة منطقة اليورو النقدية في تسهيل التعافي الاقتصادي وخفض معدلات البطالة فسوف تتبدد الشكوك ازاء اليورو في نهاية المطاف مع الادراك بأن من الأفضل أن تكون الدولة جزءاً من العملة المشتركة بدلاً من البحث عن حلول مؤقتة، ثم السعي الى عملية إصلاح بوسائل مختلفة وصعبة.
جمهورية التشيك توشك أن تفك ارتباط عملتها الكورونا باليورو بعدما أبقتها منذ 2013 منخفضة عبر ربطها به
إدارة تدفقات العملات المنافسة تتطلب فطنة وبراعة من الجهات التنظيمية وقوة اقتصادية مؤثرة تجعل البلاد أقل اعتماداً على تقلبات معدلات الصرف
سلوفاكيا تبنت اليورو عام 2009 وحققت أداء اقتصادياً جيداً أفضل من الدول التي احتفظت بعملتها وحالياً تدرس بلغاريا خطوة لتبني العملة المشتركة
إدارة تدفقات العملات المنافسة تتطلب فطنة وبراعة من الجهات التنظيمية وقوة اقتصادية مؤثرة تجعل البلاد أقل اعتماداً على تقلبات معدلات الصرف
سلوفاكيا تبنت اليورو عام 2009 وحققت أداء اقتصادياً جيداً أفضل من الدول التي احتفظت بعملتها وحالياً تدرس بلغاريا خطوة لتبني العملة المشتركة