تصوت تركيا غداً في استفتاء على تعديل دستوري يوسع سلطات منصب الرئيس، في ظل حكم إردوغان، ويمكن للنتيجة أن تؤثر في مستقبل البلاد على جميع الصعد.

والاستفتاء الذي يأتي بعد 94 عاماً على تأسيس مصطفى كمال أتاتورك لتركيا الحديثة، قد يؤثر على العلاقات مع الغرب وعملية السلام مع الأكراد، إضافة إلى الديناميكية داخل المجتمع.

Ad

ويسعى حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم الذي قدم 18 مادة في شهر يناير الماضي للبرلمان التركي لكسب تأييد 51 في المئة من الاعضاء، الى تعزيز مكانته والاستمرار في الحكم من خلال المؤسسة الرئاسية، بدلا من البرلمان، فيما يسعى معارضو التعديلات الدستورية الى ابقاء الوضع على ما هو عليه.

وانقسمت الاحزاب السياسية التركية في البرلمان ما بين مؤيد ومعارض للتعديلات الدستورية، ففي حين حصلت تلك التعديلات على دعم حزب الحركة القومية رفضها حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي (ذو الغالبية الكردية) والذي يقبع عشرة من نوابه بينهم زعيم الحزب مصطفى دميرتاش في السجن منذ نوفمبر الماضي بتهمة دعم "الإرهاب".

5 ملفات ستتأثر

وهناك خمس طرق بإمكان الاستفتاء من خلالها اعادة تشكيل تركيا، وهي كالتالي:

في حال صوت غالبية الأتراك بـ"نعم"، ستتعزز سلطات اردوغان وسيصبح بإمكانه تعيين وزراء وإقامة بيروقراطية كاملة متمركزة في القصر الرئاسي. ويخشى معارضوه من أن النظام الجديد سيفتقد إلى مبدأ فصل السلطات الذي يميز نظام الحكم الأميركي، وهو ما يؤسس لحكم الرجل الواحد.

وسيتم تطبيق النظام الجديد اعتبارا من نوفمبر 2019، عندما تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل متزامن.

ومع اعادة ضبط الساعة في ظل النظام الجديد، قد يتمكن اردوغان الذي انتخب رئيسا عام 2014، في حال أعيد انتخابه من البقاء في السلطة لفترتين حتى عام 2029، بدلا من 2024.

ويقول آلان ماكوفسكي من مركز التقدم الأميركي، إن النظام الرئاسي الجديد "سيجمع السلطات بشكل غير مسبوق في يد رجل واحد".

وفي خطاباته الحماسية الداعية لدعم النظام الجديد، لم يقر اردوغان بإمكانية تصويت الأغلبية بـ"لا"، ولم يعط أدنى إشارة على أنه على استعداد لإعادة التفكير في مستقبله. ولكن في ظل الامتيازات التي حظيت بها حملة "نعم" سيشكل رجوح كفة "لا" ضربة قوية لموقعه كزعيم تركيا القوي.

العلاقة مع أوروبا

وساءت العلاقات بين أنقرة، التي كانت مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ مدة طويلة، وشركائها في التكتل بدرجة كبيرة منذ الاستفتاء، فيما انتقد اردوغان دولا اوروبية اعتبر أن تصرفاتها تذكر بممارسات ألمانيا النازية.

وقال إردوغان إن محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستبقى "على الطاولة" بعد الاستفتاء. وفي الوقت ذاته، أكد في كل خطاب خلال الحملة أنه سيوقع على أي مشروع قانون يعيد العمل بعقوبة الإعدام، في تحرك سينهي فورا فرص بلاده للانضمام إلى التكتل.

ويشير مارك بيريني من مؤسسة "كارنيغي أوروبا" إلى أن "تكتيكات التسلط التي يمارسها بحق الاتحاد الأوروبي بشكل متواصل (...) لأهداف سياسية محلية قد وصلت إلى حدودها القصوى".

وفي حال فوز معسكر "نعم" بفارق كبير، قد يمنح ذلك إردوغان الثقة لاتخاذ تحرك حاسم بعيدا عن الاتحاد الاوروبي وإظهار أن بلاده قادرة على إقامة تحالفات استراتيجية بديلة مع أطراف أخرى، بما فيها روسيا.

وقد يشكل تعزيز الاتحاد الجمركي بديلا لعضوية كاملة في الاتحاد الاوروبي، إلا أنه من غير الواضح إن كان اردوغان يستسيغ ذلك.

الأكراد

وكان إردوغان أول زعيم تركي يطلق محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني، ما نتج عنه وقف لإطلاق النار غير مسبوق.

ولكن اتفاق السلام مع حزب العمال الكردستاني انهار عام 2015. ومنذ ذلك الحين، شن اردوغان حملة مثيرة للجدل لتدمير التنظيم.

وفي حال التصويت بـ"نعم"، فمن غير المستبعد أن يتبنى اردوغان موقفا تصالحيا حيال "المسألة الكردية"، حتى إلى درجة إعادة فتح الحوار.

وأكد المحلل أصلي ايدنتاسباس من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنه "في حال فاز بنعم بفارق ضئيل، فإن الرئيس قد يشعر بأنه مضطر لاتخاذ موقف تصالحي (...) قد تعود تركيا إلى عملية السلام".

وأحدث عهد اردوغان كرئيس وزراء ورئيس دولة منذ عام 2003 استقطابا واسعا داخل المجتمع التركي المتنوع بشكل كبير.

ولطالما شيطن اردوغان معارضيه، معتبرا أن كل من يريد التصويت بـ"لا" يدور في فلك حزب العمال الكردستاني والداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في 15 يوليو.

وأوضح مؤلف كتاب "السلطان الجديد" الذي سيصدر قريباً، سونر كاغابتاي، أنه قد "يفوز، ولكن في النهاية، فإن نصف البلد تحبه ونصفها الثاني يكرهه. وهنا تكمن أزمة تركيا الحديثة".

وأظهر إردوغان براغماتية كبيرة في تحالفاته التي كان آخرها عقده تحالفا مع القوميين.

تتوقع الأسواق بحذر رجوح كفة "نعم"، وتأمل أن تحدث استقرارا. ويتوقع أن ترتفع قيمة الأصول التركية في حال تم ذلك.

إلا أن التوقعات للمدى المتوسط أكثر ضبابية، حيث يخشى بعض الخبراء الاقتصاديين من أن أي تقلص في الديموقراطية في تركيا وازدياد الاستقطاب في المجتمع، بالترافق مع فقدان الحكومة لحماستها لإجراء إصلاحات، سيؤثر سلبا على معدلات النمو على المدى البعيد.

وأوضح خبراء اقتصاديون في "مجموعة بي جي سي بارتنرز" في إسطنبول أنه "فيما سترحب الأسواق بـ (نعم) محتملة في المدى القريب، لا يرجح أن ترتفع الأسهم التركية فوق معدلاتها التاريخية في وقت يبقى فيه النمو خافتا وانعكاسات النظام (الرئاسي) بعيدة المدى غير مختبرة".