ليست الأزمة المجتمعية التي نكتوي بنارها راهنا هي الأشد سمية في تاريخنا، لكنها، دون أدنى شك، تضعنا على عتبات التفتت الاجتماعي المعزز بسلوكيات غير محسوبة العواقب.وبصرف النظر عن تناقضات مربكة تحف بهذه الأزمة، فإنها في جذورها العميقة إعلان صريح وساطع عن إخفاق مديد وشامل للتعليم في الكويت، فالإنفاق الهائل على التعليم لم يفلح بعد عقود من بلورة إجابة واضحة عن السؤال الكبير الذي تتصدى له المجتمعات المتحضرة، وهو باختصار: ما الهدف من التعليم؟
وإذا كانت الإجابة التقليدية عن التعليم تتلخص في إدخال الفرد منذ سن الخامسة في أنبوب طويل من العملية التعليمية ينتهي عند سن الثامنة عشرة على مستوى التعليم العام ومطلع العشرينيات في التعليم العالي، فإنها كذلك تشدد على أنه يتلقى تعليما يمكنه من نيل الشهادة والحصول على وظيفة، ليغدو بعدها مساهما فاعلا في الحياة الاقتصادية للبلد. وباختصار يتحول إلى بيدق في المنافسة واللعبة الاقتصادية.وما سبق ليس من باب التجني، فهو الهدف الذي ترنو إليه المناهج سواء بشكل صريح أو ضمني، فالحكومات حينما تفكر في الاستثمار في التعليم فإنها فعلا تمارس الاستثمار، أي أنها تتطلع إلى عوائد من وراء التعليم، أي أنها تريد من التعليم والأفراد أن يكونوا مرهونين بإجمالي الناتج القومي.وهدف كهذا لم نتمكن في الكويت من تحقيقه على الإطلاق، وهذا ما لهج به لسان الجهات الرسمية نفسها غير مرة، وكان أكثرها خشونة ما جاء قبل شهرين ونيف حول إنتاجية الموظف الكويتي وكفاءته.وفي ظني أن هذا المنظور للتعليم لا يقتنص الإجابة الدقيقة للهدف من التعليم، والتي أراها وثيقة الصلة بأزمتنا المجتمعية، فالتعليم يجب أن يكون هدفه الحياة وأن يكون من أجل الحياة، فهو المؤثر والفاعل اللذين يتيحان للأفراد الفرصة للظفر بحياة مزدهرة على المستوى الشخصي، وهذا لا علاقة له البتة بالوظيفة. فالتعليم من الضروري أن يستهدف جوانب أخرى من حياة الفرد، وهي متنوعة، مثل علاقته بالأفراد الآخرين، والمجتمع المحيط به بحيث تغدو أكثر غنى ورقياً، ويحظى، من جانب آخر، بأفق رحب لتكوين رؤاه تجاه الحياة والآخرين والعالم كي تصبح الحياة جديرة بأن تعاش، وهذا ما يجب أن يكون عليه التعليم أو من أجله التعليم، وهو عينه ما عجزنا عن الظفر به، وننتهي إلى حال لا يشتهيها لنا سوى كارهي التقدم والحضارة.
مقالات
أزمتنا والإخفاق المديد
16-04-2017