"النفط هو براز الشيطان، عشر سنوات من الآن، عشرون سنة من الآن، سترون أن النفط سيجلب لنا الخراب". العبارة السابقة ليست لبطل رواية عبدالرحمن منيف "مدن الملح"، بل لجوان بابلو ألفونسو وهو سياسي ووزير فنزويلي سابق، الذي أسس بجهوده مع أول وزير نفط سعودي "عبدالله الطريقي" منظمة أوبك، فهل كان ألفونسو يقرأ فنجان مستقبل بلده حين صور الذهب الأسود ببراز الشيطان؟!
فنزويلا كانت أغنى دول أميركا اللاتينية حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وكانت أكثر الدول سعادة، وكانت رحلة طائرة الكونكورد تقلع أسبوعياً من مطار باريس لتحط في مطار كاراكاس، وبحبوحة عيش وهناء لم يتخيل أهل ذلك البلد أنها ستنتهي يوماً ما، ماذا حدث الآن لفنزويلا وأهلها؟!... جماعات مافيا مخيفة تزدهر أعمالها على خطف الأفراد وتقايض أهلهم للحصول على الفدية، وخيط طويل ممتد من أجساد بشرية متلاصقة في طوابير يقف الناس لشراء علبة حليب وبيض بعملة تفقد قيمتها يوماً بعد يوم، فمعدلات التضخم تجاوزت 400 في المئة، ويتم طبع العملة دون رصيد اقتصادي، والمستشفيات بلا أكياس تغذية ولا معقمات، والجريمة تتمدد في شوارع مدينة كانت أسعد مدن القارة. هل يلام الرئيس الاشتراكي الراحل تشافيز على حال فنزويلا اليوم؟... كان تشافيز مناضلاً عنيداً، وحين وصل إلى الرئاسة، بنى بيوتاً للفقراء على هضاب وسفوح الجبال، وأمّم الكثير من المؤسسات المالية الخاصة الممثلة للرأسمالية الكبيرة التي كانت تنهب البلد، آملاً أن يحقق نوعاً من العدالة الاجتماعية في وطنه، لكنه وخليفته مادورو لم يقلبا الدولة إلى اشتراكية مثل "كوبا كاسترو"، فالاشتراكية التي أرادها هي عبر صناديق الاقتراع والاستفتاءات الشعبية، وظلت المؤسسات الخاصة تشكل حيزاً كبيراً من النشاط الاقتصادي! ماذا حدث وما هو السبب؟... الولايات المتحدة وتوابعها أحكموا الخناق الاقتصادي على النظام الفنزويلي حين أراد استقلالية القرار الاقتصادي والسياسي، وأسباب كثيرة لمأساة فنزويلا اليوم مع معاناة شعبها، التي لم تبدأ بعهد تشافيز، ولا بالحرب المالية التي تشن على الدولة من النظام العالمي كما تمثله الولايات المتحدة، ولم تكن أفاعي الفساد المالي التي ظلت تغير جلدها مع كل نظام جديد السبب الوحيد للحالة هناك. هذا يعود بنا إلى نبوءة ألفونسو، عن براز الشيطان، الذي هو علة العلل، حين تدمن الدولة وتعتمد على النفط كمصدر شبه وحيد للدخل العام، وتخلق لعنة "الريع" وهو براز الشيطان الحقيقي، فالجرح الفنزويلي انفتح تماماً مع سقوط أسعار النفط عام 2014، وجاءت أسباب أخرى مثل الفساد والحرب الاقتصادية الأميركية لتسكب الملح على هذا الجرح، وينتهي الأمر إلى هذا الحال الحزين.هل نتعلم شيئاً من تجربة فنزويلا المُرّة؟ فليست دولنا أغنى بثرواتها الطبيعية منها، وليست شعوبنا أكثر وعياً من الشعب الفنزويلي تعليماً وثقافة، ولا أنظمة الحكم هنا بمثل ديمقراطية فنزويلا أو حتى قريبة منها، يوجد فرق أو اثنان بيننا وبين فنزويلا، فمازلنا، أولاً، حلفاء مخلصين للولايات المتحدة ولا نفكر أن نخرج عن طوعها، ثانياً، في فنزويلا أفاقوا من حلمهم، ويعيشون اليوم في كوابيس الواقع مع براز الشيطان، بينما هنا مازلنا نخشى مواجهة هذا الواقع، ونصر على المضي في حلم الإجازة الممتدة للاقتصاد والسياسة، ولن نصحو، بل سيدفع بناتنا وأولادنا ثمن العطالة السياسية والاقتصادية حين يجدون أنفسهم فجأة محاطين بمخلفات الشيطان... ليكن الله في عونهم.
أخر كلام
براز الشيطان
16-04-2017