صوت الناخبون الأتراك بكثافة، في استفتاء حاسم على تعديلات دستورية من شأنها تغيير نظام الحكم المعمول به في الجمهورية التي تأسست على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 من البرلماني إلى الرئاسي.

وعلى الرغم من أجواء الشحن التي صاحبت الحملات الدعائية لمعسكري التأييد والرفض للتعديلات التي تقدم بها حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم فإن عملية الاقتراع جرت في أجواء هادئة.

Ad

وأظهرت استطلاعات الرأي تقدما بفارق طفيف للمعسكر المؤيد للتصويت بنعم الذي من شأنه أن يحل نظاما رئاسيا قويا محل الديمقراطية البرلمانية، وربما يشهد بقاء الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان في السلطة حتى عام 2029.

ويبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في 167140 مركز اقتراع بجميع أنحاء تركيا نحو 55 مليون شخص، فيما أدلى الناخبون الأتراك في الخارج بأصواتهم في وقت سابق.

ولإقرار التعديلات المقترحة التي تمهد لأكبر تغيير في النظام السياسي لتركيا في تاريخها الحديث، ينبغي أن يكون عدد المصوتين في الاستفتاء بـ"نعم" أكثر من 50 في المئة من الأصوات (50+1).

وفي 21 يناير الماضي، أقر البرلمان مشروع التعديلات الدستورية.

ومن جهته، أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أنه لا توجد أي مشاكل في جميع ولايات البلاد تعكر صفو الاستفتاء.

وذكر أن أجواء الاستفتاء والحملات الدعائية التي سبقتها كانت الأكثر أمانا من بين الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة.

ولم تسجل أي أحداث عنف تذكر، أمس، سوى مقتل شخصين وإصابة ثالث في مشاجرة اندلعت أمام مركز اقتراع بولاية ديار بكر جنوب شرقي البلاد.

من جانبه أكد رئيس الوزراء بن علي يلدريم احترامه لأي نتيجة تصدر عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

وقال يلدريم: "أيا كانت نتيجة الاستفتاء فهي تاج على رؤوسنا، لأن القرار الذي يعطيه شعبنا هو الأفضل".

وأشار إلى أن جميع المواطنين في 81 ولاية تركية يصوتون بشكل حضاري في الاستفتاء الدستوري في مناخ من السلام والأخوة.

تتويج ومعارضة

وأدلى إردوغان بصوته في لجنة قرب منزله في إسطنبول، وقدم هدايا لأطفال وسط حشود من أنصاره ممن يترقبون تتويج مسيرة الرئيس المهيمن على الساحة السياسية التركية منذ توليه منصب رئيس الوزراء قبل نحو 15 عاما.

ونقلت وكالة "الأناضول" للأنباء عنه القول بعد الإدلاء بصوته: "هذا الاستفتاء ليس كأي تصويت عادي. هذا استفتاء على اتخاذ القرار بشأن نظام إداري جديد، على تغيير وتحول في الجمهورية التركية. وآمل أن يتخذ شعبنا قرارا يمهد الطريق إلى تطور سريع، إننا بحاجة إلى النمو بشكل أسرع والسير بشكل أسرع"، مؤكدا أنه يثق في إدراك الشعب للديمقراطية. وأعرب عن شكره لكافة المشاركين في التصويت.

في غضون ذلك، قال رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهجه لي، وهو سياسي معارض لكنه يؤيد التعديلات الدستورية، إن السياسة في تركيا ستشهد إعادة هيكلة عقب الاستفتاء. جاء ذلك خلال تصريح في العاصمة أنقرة، عقب الإدلاء بصوته.

واعتبر أن الاستفتاء "نقطة تحول بالنسبة للشعب" لافتا إلى أهمية المشاركة العالية في التصويت، "كضرورة للثقافة الديمقراطية التي يتحلى بها الشعب".

في المقابل، وصف زعيم حزب "الشعب الجمهوري" المعارض (أكبر أحزاب المعارضة في تركيا) كمال قليجدار أوغلو الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأنه "تصويت على مصير تركيا".

وقال السياسي الذي يدعو للتصويت بـ"لا"، عقب الإدلاء بصوته بالعاصمة أنقرة برفقة زوجته وابنه: "على جميع المواطنين التحلي بأعلى قدر من المسؤولية، أنا متفائل بنتائج مفرحة لنا".

انقسام شعبي

وأثار الاستفتاء على التعديلات التي توسع صلاحيات رئيس الجمهورية وتمنح إردوغان بصمة تاريخية انقساما كبيرا في صفوف الشعب. ويقول إردوغان وأنصاره إن التعديلات ضرورية لإصلاح الدستور الحالي الذي كتبه جنرالات في أعقاب انقلاب عسكري عام 1980 ولمواجهة تحديات أمنية وسياسية أمام تركيا وتفادي الحكومات الائتلافية الهشة التي تشكلت في الماضي.

ويقول المعارضون إنها خطوة نحو المزيد من الاستبداد في بلد ألقي القبض فيه على نحو 47 ألف شخص، كما تمت إقالة 120 ألف شخص أو وقفهم عن العمل في حملة أعقبت انقلابا فاشلا في يوليو الماضي على إردوغان، مما أثار انتقادات من حلفاء تركيا في الغرب وجماعات حقوقية.

وتشمل التعديلات المقترحة زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب، وخفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا.

من جانب آخر، ستحدد نتيجة الاقتراع التاريخي، على التعديلات التي من شأنها منح إردوغان صلاحيات كاسحة، شكل علاقات تركيا المتوترة مع الاتحاد الأوروبي.

وتدهورت العلاقات بين تركيا وأوروبا إلى مستوى متدن خلال حملة الاستفتاء عندما منعت دول بالاتحاد الأوروبي من بينها ألمانيا وهولندا وزراء أتراكا من تنظيم لقاءات جماهيرية للدعاية للتعديلات الدستورية.

وفي هذه الأثناء، حذر أوزجان موتلو النائب البرلماني عن حزب الخضر بالبرلمان الألماني "بوندستاج" من تأييد الأتراك للنظام الرئاسي الذي يسعى إليه إردوغان. وقال موتلو المنحدر من أصول تركية والذي يقيم حاليا في إسطنبول أثناء الاستفتاء: "إن التصويت بنعم يساوي إلغاء الديمقراطية البرلمانية ومبدأ الفصل بين السلطات. وقلما يمكن لتركيا كهذه أن تجد مكانا في الاتحاد الأوروبي".

وفي وقت سابق، ذكرت مصادر أمنية أن مسلحين من الأكراد قتلوا حارسا في هجوم على سيارة كانت تقل مسؤولا من حزب "العدالة والتنمية" في جنوب شرق البلاد الذي يشهد قتالا بين القوات الحكومية وعناصر "حزب العمال" المحظور، مساء أمس الأول.